قدر اميرة وتاريخ مصر الصحيح
30/09/2007
نقلاً عن وليم الميرى - جريدة وطني
" قدر اميرة" هو عنوان المقابلة التليفزيونية التى اجراها الصحفى اللبنانى ريكاردو كرم مع الاميرة فريال الابنة الكبرى للملك فاروق وشاهدتها على القناة الفضائية ام.بى. سى. وهى اول مقابلة للاميرة البالغة من العمر 68 سنة والتى عاشت فى المنفى منذ كانت فى الثالثة عشرة.
وكان ريكاردوا يوجه الاسئلة الى الاميرة فى احترام شديد ويخاطبها ب صاحبة السمو الملكى وهى تجيب فى لهجة مصرية مكسرة بعض الشئ ولكن بلغة عامية مصرية صحيحة فى براءة اقرب الى السذاجة مما يوحى بالصدق غير المصطنع. كانت بادية الهزال وشعرها ابيض ومن اجاباتها علمنا انه فى صباح 26 يوليو 1952 اى بعد ثلاثة ايام من انقلاب 23 يوليه 1952 استدعاها ابوها الملك فاروق هى واختاها فوزية وفادية وابلغهن انه لا بد من مغادرة الوطن مصر خلال ساعة واحدة، وخيرهن بين البقاء مع والدتهن الملكة السابقة فريدة فى القاهرة او مرافقته هو والملكة ناريمان واخوهم غير الشقيق الامير احمد فؤاد، واختارت الاميرات الثلاثة مرافقته.وكانت الاميرات الثلاثة الصغيرات يعشن فى عزلة شبه كاملة مع مربياتهن. ولم يكن امام الاسرة بما فيهم فاروق ومرافقوهم غير الاشياء الضرورية، ولم ياخذ الملك معه الصناديق المليئة بالذهب والمجوهرات كما قيل فى ذلك الوقت. وذكرة الاميرة ان الاسرة كانت تعيش فى المنفى بمعونة مالية من الاسرة المالكة السعودية.
ونقلت الباخرة الملكية المحروسة الاسرة الى ايطاليا حيث عاش فاروق، وذهبت الاميرات الثلاثة الى سويسرا حيث دخلن مدرسة داخلية. وفى 1965 مات الملك فاروق فجأة وهو يتناول الطعام فى مطعم فى ايطاليا،ورجحت الاميرة انه مات مسموما كما اشيع فى ذلك الوقت بينما ذكرت الرواية الرسمية انه مات بالسكتة القلبية. ونقل جثمان الملك الى مصر حسب رغبته حيث دفن فى مكان مجهول وليس فى مسجد الرفاعى الى جوار ابيه الملك فؤاد، ولكن الجثمان نقل اليه فى عهد السادات الذى سمح للاسرة بالمجئ الى مصر فى اى وقت.
وتكلمت الاميرة عن العلاقة الحميمة التى كانت تربطها باختيها واخيها الامير احمد فؤاد. وذكرت الاميرة انها واختيها لم يختلطن بالاولاد وعشن دائما مع المربيات وانها تزوجت وهى فى الثامنة والعشرين من صاحب فندق فى سويسرا ولها ابنة منه، وانها تطلقت وتزوجت مرة اخرى ولكن زوجها الثانى انتحر... وقالت انها اضطرت الى العمل هى واختاها ، فاشتغلت بالتدريس واشتغلت احد الاختين بالترجمة والثانية مرشدة سياحية.
وعندما قال ريكاردوا لها ان اسرة عبد الناصر تعيش فى رفاهية قالت له انها لا تعرف شيئا عن اسرة عبد الناصر. وعندما كان يسالها عن الماضى كانت تجيبه بالعامية المصرية " اللى ورا ورا" اى لا تريد الخوض فى الماضى.
اتاحت المقابلة التليفزيونية مع الاميرة فريال لى ولغيرى من المصريين ولغيرنا ممن لهم اهتمام بتاريخ مصر الحديث، خاصة تاريخ ما يسمى بالثورة المصرية خلال الحقبة الناصرية والساداتية التى كان لمصر عبد الناصر ومصر السادات دور فى سياسة العالم العربى عامة والقضية الفلسطينية خاصة... ولتاريخ تلك الحقبة روايات مختلفة ولا اقول مختلقة على السنة ومن اقلام من كان لهم دور فى انقلاب يوليه ومن اخرين وجميعهم كانوا يصورون انفسهم ابطالا ووطنيين او لتصفية حسابات بينهم على حساب الحقيقة والتاريخ الصحيح.
فمن يكتب هذا التاريخ الصحيح، لا شك ان هناك مؤرخين من اساتذة التاريخ الصحيح فى الجامعات المصرية كتب بعضهم شيئا من هذا التاريخ ولا زالوا عاكفين على كتابة هذا التاريخ ككل او اجزاء منه متعلقة بناحية من نواحيه مستخدمين النهج القويم فى كتابة التاريخ لاستخلاص الحقائق والوقائع ثم تفسيرها وتحليلها. والوقائع والحقائق هى دليل المؤرخ على وقوع الحدث ويحصل المؤرخ على هذه الوقائع والحقائق من مصادرها. ويقسم اساتذة التاريخ المصادر الى مصادر اولية وهى الوثائق التى كتبت وقت وقوع الحدث التاريخى واصبحت بمثابة جزء منه كالمعاهدات والاتفاقيات، والمصادر الثانوية وهى الوثائق التى وقعت بعد وقوع الحدث ومنها المذكرات التى يكتبها من عايش الحدث او اشترك فيه وان كانت هذه المصادر لا تخلو من عيوب وابرزها التحيز.ومن المصادر الهامة شهادات الشهود العيان الذين لا زالوا على قيد الحياة مثل الشهادة التى جاءت بها الاميرة فريال. وقد يعيب شهادات شهود العيان تحيزهم مع او ضد الشخصيات التاريخية او كان لهم دور رئيسى فى الحدث التاريخى، وان ذاكراتهم قد تخونهم خاصة اذا كان الحدث قد مرت عليه فترة او تقدم بهم العمر. ومن وقت لاخر يتقدم شاهد عيان عايش الفترة الناصرية والفترة الساداتية ويدلى بشهادته، وقد تكون فى حوزته وثائق رسمية اوشبه رسمية او قد يكون لعب دورا رئيسيا او كانت له علاقة خاصة بجمال عبد الناصر ، وهنا تجدر الاشارة الى الاستاذ محمد حسنيين هيكل الصحفى القديم والذى اصبح الكاتب المفضل او الاول عند عبد الناصر، ويتميز هيكل بانه يملك ثروة من الوثائق الهامة حصل عليها بحكم علاقته الوثيقة بعبد الناصر،وربما شارك فى بعض الاحداث ،ومن يتابع احاديثه على قناة الجزيرة وهو يتحدث عن احداث معينة وقعت فى الفترة الناصرية يراه يبسط امام المشاهد الوثيقة بعد الاخرى مستشهدا بها على ما يقول . وقد ارخ هيكل وهو ليس مؤرخا فى بعض ما كتبه ومقالاته واحاديثه الاذاعية والتليفزيونية لاحداث وقعت فى الفترة الناصرية كما ارخ لبعض الاحداث الساداتية فى كتابه " خريف الغضب" وياللاسف فان هيكل لا يعتبر مؤرخا يعتمد عليه فهو كاتب متحيز الى جانب عبد الناصر، وضد السادات. فقد كان مقربا من الاول ومبعدا من الثانى. ولكن لا بد من كلمة تتعلق بالوثائق التى لا تزال فى حيازة هيكل، وهو يعترف بحيازته ويظهرها للعيان فى احاديثه التليفزيونية وهو يعلم انه ليس من حقه الاحتفاظ بهذه الوثائق فهى ملك للدولة وملك للشعب ويتحتم عليه ،ولعله فعل، ان يودعها لدى الجهة المختصة او يهديها لجامعة من الجامعات كما تفعل بعض الشخصيات هنا فى امريكا او فى اى مكان فى العالم تعلم قيمة واهمية الوثائق التى فى حوزتها.
بقى ان نعرف ماذا فعل النظام المصرى الذى تمخضت ثورته او انقلابه فى 23 يوليه ، فقد عبث هذا النظام بتاريخ مصر كما عبث باقدار مصر ، فالتاريخ الحديث عنده يبدأ بانقلاب يوليه ،فهذا هو التاريخ الرسمى المسجل فى الكتب المدرسية، اما التاريخ الحقيقى فليس فى امكان الثورة ان تلغى التاريخ الفرعونى المنحوت فى الصخور المصرية التى بنيت منها اهرامات الجيزة وغيرها من الاثار الشاهدة على التاريخ المصرى القديم المجيد ولكن النظام الغى الحقبة القبطية من هذا التاريخ وانعكس ذلك ايضا على الكتب المدرسية، الا يعلم النظام المصرى ان تاريخ بلد مثل مصر هو جزء من التراث الانسانى ومن حق العالم كله ان يقرأ التاريخالمصرى كاملا غير منقوص وغير مشوه؟.
وعليه فمن الضروري ان يعرف الشعب المصري الفترة التي سبقت 23 يوليو 1952 بايجابيتها وسلبيتها دون تزييف للحقائق ، كتابة وتأريخ تلك الفترة بنظرة موضوعية تبتعد عن التحيز أو الكراهية تبتعد عن المغالاة وتزييف الحقائق.......... لست أدري حتى الآن والحقائق التاريخية مغلوطة في فترة ما قبل 23 يوليو 1952م...... ترى إلى متى؟
د/ عماد رمضان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق