الاقتصاد الجديد
لحياة أفضل
New Economy
for a better life
إعداد
دكتور/ عماد رمضان سليمان
ديسمبر 2013م
قال الله تعالى
} وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون {
صدق الله العظيم
الجاثية، الآية 13
مقدمة:
إن الارتباط وثيق بين الإنسان والبيئة بـكل مـكوناتها منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا حاضرنا ومستقبلنا، فالإنسان في تفاعل دائم مع البيئة يؤثر ويتأثر بها ، ومن أجل الحفاظ عـليها وعلى مواردها وحمايتها من التلوث فمن الضروري أن يتعامل الإنسان مـعها بأخلاق البيئة وأن يسلك سلوكاً إيجابياً نحوها وألا يسلك سلوكيات خاطئة تؤدي إلى الكوارث البيئية وتدميرها، وهذا حق الأجيال القادمة.
وقد خلق الله سبحانه وتعالى الكون على نحو موزون وقد جاء هذا الاتزان محكوماً بقوانين سماوية ومن ثم فإن أي إخلال يتعرض له هذا الكون أو أي خروج عن هذه القوانين السماوية يعرضه لاهتزازات وكوارث وفقدان لجزء أو كل طبيعته المتوازنة التي وضعها الله سبحانه وتعالى .
حيث قال تعالى :
" الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور " سورة الملك الآية 3
ونتيجة للتقدم الهائل في كثير من الدول واستغلال الموارد الطبيعية واستنزافها في دول عديدة أدى إلى تدهور تلك الموارد وتلوث البحار والأنهار والهواء، هذا وقد أكدت المؤتمرات الدولية على ضرورة حماية البيئة والحفاظ عليها لأن إحداث الخلل في علاقاتها الطبيعية ينذر بالخطر إذ تجاوز عمل الإنسان في بعض الأحوال قدرة النظم البيئية الطبيعية على استيعاب التغيير أو احتماله فأحدث هذا اختلافات بيئية تكاد تهدد حياة الإنسان نفسه ومدى قدرته على البقاء على سطح الأرض مما يهدد الأجيال القادمة بالأمراض ونقص الموارد.
ونشاهد التراجع المذهل للحيز المكاني ، سواء الأراضي الزراعية أو الغابات وغير ذلك من الموارد الطبيعية ، فنجد الإنسان في الماضي يرى في الأشجار العتيقة رمز الثبات والخلود ، وهو حس فقده إنسان الحضارة الحديثة التي تعتمد على التقنية.
وكان الإنسان في إحدى فترات التاريخ القديم "عبداً للبيئة" يخضع خضوعاً مباشراً وقوياً لظروفها الطبيعية، التي تحكمت فيه، وفيما يقوم به من أنشطة، فاقتصر نشاطه على حرف الجمع والالتقاط والصيد، دون أن يكون له القدرة على التأثير في تلك البيئة وظروفها المختلفة ولكن مع مرور العصور والأزمان، نجح الإنسان في التعرف على العوامل والظروف المختلفة التي تحيط به كما نجح في فهمها بل والتحكم فيها والسيطرة عليها ، حيث تغلب على الظروف البيئية المختلفة، وساعده على ذلك النجاحات المتتابعة التي حققها في المجالات المتعددة ، مما أحدث تطورات ضخمة في النواحي التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية، وهكذا أصبح الإنسان "سيداً للبيئة" بعد أن كان عبداً لها وبدأت سيطرته على البيئة تزداد إحكاماً، وراح الإنسان يستنزف العديد من الموارد الطبيعية، دون أن يراعي التوازن البيئي بين عناصر البيئة المختلفة، وعليه فان الأخطار التي صنعها البشر تسبب تهديدا أكبر من الذي تسببه الأخطار الطبيعية.
ولذا فمعظم القضـايا والمشكلات البيئية التـي تعاني منـها العديد من المجتمعات، هي في الحقيقة قضايا سلوكية والمتسبب الأول فيها السلوك الفردي للمواطن ومن ثم سلوك المجتمع ككل ويتفاعل الإنسان مع موارد الكون بأشكال مختلفة فأحياناً يتعامل معها بأدب وخلق رفيع المستوى فتوجد البيئة بأفضل ما نملكه من إمكانات وأحياناً أخرى يسلك سلوكيات سالبة فيسئ إلـى البيئة ويعبث بالقوانين التـي تحكم الكون.
وعلى ذلك فقد أصبحت هناك ضرورة ملحة وحتمية لتغيير السلوك الإنساني تجاه البيئة وفهمه لها وغرس الوعي البيئي لدى الجميع، لكي يتحقق التوافق مع البيئة، ولتحقيق جودة الحياة التي يحياها العنصر البشري، فمن الضروري تنمية هذا الوعي ونشر الثقافة البيئية، لتحقيق هذا التوافق.
وفي وقتنا الراهن بدأت الدول المتقدمة تتبنى الاقتصاد الجديد أو ما يعرف باقتصاديات المخلفات، ومن هذه الدول الصين، اليابان، بريطانيا، ايطاليا، الولايات المتحدة الأمريكة، ماليزيا، فرنسا، وكندا وغيرهم من الدول، وتعتمد على فصل المخلفات وفرزها، وإعادة تدوير تلك المخلفات والاستفادة منها بانتاج جديد، وكذا ترشيد الاستهلاك من الموارد غير المتجددة، وحماية البيئة من النفايات المختلفة، وتشغيل أيدي عاملة في جميع المراحل، بداية من عمليات الفرز وانتهاء بظهور المنتج الجديد الذي يزيد اقتصاديات هذه الدول، لذا تبنت وزارة البيئة في مصر مشروع فصل المخلفات من المنبع حتى تكون البداية سليمة وصولاً إلى الانتاج الجديد من المخلفات، وعملية الفصل من المنبع تتطلب توعية بيئية وثقافية حتى ينجح هذا المشروع.
ومـن هذا المنطلق يتضح لنا أنه ليس هناك وسيلة ناجحة للتعبير عن ضرورة حماية البيئة والحفاظ على مقوماتها واستغلال مواردها الاستغلال الامثل ودعم الاقتصاد القومي وتحقيق التنمية المستدامة من خلال إعادة تدوير المخلفات، إلا عن طريق التوعية البيئية في جميع المؤسسات المختلفة من الأسرة ودور العبادة ووسائل الإعلام والمدرسة وكذا عن طريق وزارة البيئة التي من أهم أهدافها صون البيئة وحمايتها والحفاظ على مواردها، وحق الأجيال القادمة في حياة نظيفة وصحية وأيضاً حقهم في الموارد الطبيعية التي يتطلب ترشيدها عن طريق الحد من استنزافها، مما يحفظ للأجيال القادمة حقوقهم في الموارد غير المتجددة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق