نهر النيل قدسوه الأجداد وخربوه الأحفاد
(بين الماضي والحاضر)
دكتور/ عماد رمضان - ابريل 2009
نهر النيل هو أطول انهار العالم ، يبلغ طوله حوالي 6738 كيلو متر .. وهو يجرى في مصر لمسافة 1532 كيلو متر. واتخذ نهر النيل شكله الحالي في نهاية العصر الحجري القديم ، أى منذ حوالي 20 إلى 100 ألف عام تقريباً. ونتيجة لهطول الأمطار على هضبة الحبشة يصل الفيضان سنوياً إلي مصر حاملاً الطمي أو الغرين مع الماء ومنه تكون الوادي والدلتا ، لذلك قال هيكاتيوس ومن بعد هيرودوت " مصر هبة النيل ". واعترافا بدور المصري القديم في استغلال كل قطرة من ماء النيل في الري والزراعة وبناء الحضارة القديمة يقول المؤرخون " مصر هبة النيل والمصريين ". عرف المصريون القدماء أن نهر النيل ينبع من الجنوب من وسط أفريقيا وفيضانه من الحبشة، حيث قاموا بالعديد من الرحلات والتجارة جنوبي أسوان. ولكن المصريين القدماء كانوا يعتقدون في نفس الوقت أن النيل يولد ولادة مقدسة في مصر قرب الجندل الأول جنوب أسوان. أطلق المصريون القدماء على النيل اسم " ابترعا " أي النهر العظيم. ومن هذا اللفظ اشتقت كلمة الترعة. وأما لفظ النيل فيظن أن أصله مصري قديم ، أو فارسي بمعنى ازرق، ومنها اشتقت الكلمة اليونانية " فيلوس ". وأطلق المصريون القدماء اسم " حابى " على إله فيضان النيل . وأطلق المصريون القدماء على نهر النيل عدة صفات منها "هو رب الرزق العظيم، ورب الأسماك، وواهب الحياة، وجالب الخيرات، وخالق الكائنات". وكانت فروع النيل في عصر ما قبل التاريخ عشرة فروع ، ثم صارت سبعة منذ عصر ما قبل الأسرات أي منذ حوالي 6000 سنه . وانتهى الأمر بها إلي فرعى دمياط شرق الدلتا ، ورشيد غرب الدلتا . قدماء المصريين هم أول من نظموا الري في العالم وأول من أقاموا خزانات لاختزان مياه النيل وهم أول من حفروا قنوات لري الأراضي الزراعية وتوجيه مياه فيضان النيل إلى الحقول البعيدة. أعطانا النيل الخير والطمأنينة فلم نعرف عصر الصيد كغيرنا وأعطتنا الزراعة السببية، وقال المصري القديم أنا زرعت إذاً أنا الزارع. "لقد أدرك قدماء المصريين أهمية نهر النيل بالنسبة لهم كمكون بيئي طبيعي أمدهم الله به، فقدسوا هذا النهر تقديساً كبيراً وصل بهم إلى الاحتفال به كل عام، وأقاموا عليه المقاييس الخاصة لعمليات ضبط مياه الري، وحافظوا عليه من كل ما يسوء إلى مياهه، وابتعدوا عن إلقاء وتصريف فضلاتهم فيه، وكلها من مظاهر السلوك الراشد تجاه هذا المورد الطبيعي لأنهم قدروا قيمته وأهميته بالنسبة لهم ولحضارتهم وثروتهم وحياتهم، وسجلوا كل ذلك على جدران معابدهم. من أجل النيل شغل قدماؤنا بالحساب فسجلوا ارتفاع النيل سنوياً منذ الأسرة الأولى وابتدعت مصر التقويم الشمسي سنة 4241 ق.م. من أقوال المصري القديم، أنا لم أشرك بالإله.. أنا لم ألوث ماء النيل.. أنا لم أطفئ شعلة في وقت الحاجة إليها. تغنى هيرودوت بنظافة المصريين فقال أن المصريين القدماء كانوا يشربون في أقداح برونزية، كما أعجبته ثيابهم المصنوعة من الكتان والتي اتسمت بالنظافة وبأنها حديثة الغسيل وذكر الاهتمام بالنظافة كقيمة أكثر منها مظهر. كما ذكر عن المصريين قديماً أنهم كانوا يغتسلون مرتين نهارا ومرتين ليلا مما يوضح إلى أي مدى كان الاهتمام بالنظافة وكانت حماماتهم من الرخام مما يجمع بين النظافة والجمال. ومما يدل على تذوق الجمال البيئي أيضاً لدى المصريين القدماء تحويلهم المستنقعات والأحراش إلى مزارع خضراء. وقد كان المصري القديم يقدر الجمال البيئي من خلال النيل الذي هو مصدر الجمال، وقد انعكس ذلك من خلال النقوش والتلوين البديع وبناء السفن التي تجري على مائه. استخدم المصريون القدماء علم الفلك في تقويماتهم. ومعرفة الفيضان السنوي للنيل، كما استخدموه أيضاً في وضع الأهرام عند بنائها، وتوصلوا إلى معرفة الكثير عن مواقع النجوم والكواكب. والآن ماذا يحدث لنهر النيل من تلوث وإهمال واستنزاف طميه الذي هو بمثابتة الكنز الذي يفيض على أهله، وماتتعرض له الترع من ردم وتلوث وما أدراك ما هوالتلوث الذي تتعرض له الترع المصرية في وقتنا الراهن، مصر لديها الثروات والمصريين يهدرونها، إلى متى نهمل ونشوه ونستنزف مواردنا الطبيعية، ليت نعمل على المحافظة على نهر النيل العظيم الذي وهبنا الله سبحانه وتعالى، ليتنا نعمل على استغلاله وعدم استنزافة، ونحميه من التلوث والنفايات ونكون العين الساهرة لهذا النيل العظيم. ونختتم تلك الكلمات بمقولة المصريين القدماء علمنا النيل الفن الجميل، علمنا الرسم والتلوين... ومن طمي النيل بنينا البيت وشكلنا الإناء، مصر زرعت الأرض بالحب وزرعت القلب بالحب، وزرعت العقل بالعلم، وزرعت الوجدان بالفن، وكان طرحها في هذا أضعاف ما طرحت من حبوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق