أثر العولمة الثقافية على المجتمع المصري
إعداد" دكتور/ عماد رمضان سليمان
العولمة - الكوكبة - الأمركة - النظام الواحد - القرية الكوكبية - جميعها مدلولات على جعل الأجزاء في واحد ، جعل كل الدول كبيرها أو صغيرها تحت مظلة العولمة، والعولمة بمعناها الواقعي هي الهيمنة الأمريكية على العالم خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه.
فيشير "الجابري": على أن العولمة بمعناها الشامل هي ترجمة لكلمة Globalization الانجليزية، والتي ظهرت أول ما ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية، وتفيد معنى (تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل)"
والعولمة هي انسلاخ عن قيم ومبادئ وتقاليد وعادات الأمة وإلغاء شخصيتها وكيانها وذوبانها في الآخر، فالعولمة تنفذ من خلال رغبات الأفراد والجماعات بحيث تقضي على الخصوصيات تدريجياً من غير صراع إيديولوجي ، فهي " تقوم على تكريس إيديولوجيا " الفردية المستسلمة" وهو اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته ، وأن كل ما عداه أجنبي عنه لا يعنيه ، فتقوم بإلغاء كل ما هو جماعي ، ليبقى الإطار " العولمي" هو وحده الموجود ، فهي تقوم بتكريس النزعة الأنانية وطمس الروح الجماعية ، وتعمل على تكريس الحياد وهو التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية ، وهي بهذا تقوم بوهم غياب الصراع الحضاري أي التطبيع والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري أي نهاية الحضارات، وبالتالي يحدث فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة ، مما يفقد الهوية الثقافية من كل محتوى ، فالعولمة عالم بدون الكيان الوطني تعني نهاية التاريخ وهيمنة التكنولوجيا الغربية.
حتى أن قوى الهيمنة الاقتصادية تعمل على "تنميط" سلوكيات البشر وثقافتهم في المجتمعات كافة وإخضاعه لمركزية نظام المفاهيم والقيم والأنماط السلوكية السائدة في الغرب في ظل النظام الرأسمالي ، بغية الإقبال على الاستهلاك للمنتجات الغربية كما يقول "محمود عبد الفضيل" في الورقة المقدمة بعنوان "حقوق الإنسان الاقتصادية "، بأنه بات الفرد في المجتمعات النامية يرقص على أنغام موسيقى الروك ، يأكل ساندويتشات ماكدونالدز ويشرب الكوكاكولا ويشاهد C.N.N وهذا نتاج الغزو الثقافي.
والغزو الثقافي الغربي هو مكمن الخطورة التي تهدد شبابنا ومجتمعنا ، عولمة تريد توحيد القيم العالمية، كأن أمريكا هي التي تملك العصا السحري فمن الخطورة أن نعلم أبنائنا وأطفالنا ثقافات تختلف عن تقاليد مجتمعنا وقيمنا.
فهل نصدق بأن من ضمن الكتب التي تمت ترجمتها وتأليفها من قبل كتاب أمريكان ومصريين لكي يقرأها أطفالنا في المراحل السنية المختلفة تحت شعار الحرية المطلقة وتغيير القيم، على سبيل المثال جاء في قصة البنت التي خلعت الحجاب وأطلقت شعرها وقالت أريد أن أتحرر فخرجت من منزلها ودخلت السينما وعادت بعد منتصف الليل وتقول هي دي الحرية، وهل نصدق بأن نغرز في أبنائنا أهمية السيارة عن شجرة الزيتون، وأهمية الجيتار عن كتاب الله، وأهمية البيبسي كولا عن حبة القمح ، والأمثلة كثيرة كأن أمريكا تقول بأنها هي التي تملك مفتاح السعادة والحرية فهي تشبه في هذا الصدد الحكايات والأساطير مثل "أفتح ياسمسم" أو مثل الحيوان الذي يمد لنا يد العون لكي يدلنا على سرداب سري نخرج منه، فكيف لا نتنبه لخطورة ذلك حكومة وشعباً رحم الله محمد علي باشا باني مصر الحديثة عندما رفض تدخل المجتمع الغربي في مصر ، ورفضه الاستيراد من الخارج فكان على يقين بان قوة الدولة في حجم صادرتها ، وضعفها يأتي من خلال الاستيراد من الخارج ، لذا عمل محمد علي على الإنتاج المحلي ويجنب البلاد من خطورة الاستيراد من الخارج ، كم رفض محمد علي مشروع حفر قناة السويس فقال مقولته المشهورة " لا أريد سفوراً في مصر" هذا هو محمد علي الذي حكم مصر إبان النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، والسؤال الآن ونحن في القرن الحادي والعشرون ألا نتنبه لخطورة الهيمنة الغربية وعلى الأخص الهيمنة الأمريكية من سلع وأفكار وثقافات تتنافى مع خصوصية مجتمعنا.
هذا وقد ناقش المؤتمر الدولي للثقافة في القرن 21 آفاق التجديد واحتمالات التردي الذي انعقد بالقاهرة يومي 6 و 7/2000 بدعوة من منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية. وكان محوره الأول "الثقافة بين العولمة والخصوصيات القومية". وقد جاء في إعلان القاهرة الصادر عنه أن مناقشات جادة وعميقة دارت حول الأوضاع الثقافية الراهنة ببلدان العالم الثالث ، وعلاقة ذلك بالعولمة ، من حيث كونها عملية تاريخية تمتد في أعماق الزمان من ناحية ، ومن حيث كونها أيديولوجية النظام العالمي الجديد من ناحية أخرى. وتطرق المشاركون في المؤتمر إلى الاحتمالات الكامنة خلف التطور اللاحق للأوضاع الثقافية ، وعلاقات التأثير والتأثر والأخذ والعطاء بين شعوب العالم ، وإمكانات ازدهار أو تردي الثقافات المحلية في علاقاتها بالعولمة في كافة تجلياتها".
وفي هذا الصدد يحذر "عبد الوهاب المسيري" بخطورة العولمة الثقافية على فقدان البلاد العربية هويتها، كما أكدت على ذلك "منظمة الإيسيسكو" في ندوتها الإقليمية بعنوان "العولمة وانعكاساتها على العالم الإسلامي في المجالين الاقتصادي والثقافي" من 3-4 مايو 2006م أكدت على خطورة العولمة الثقافية من هيمنة الدول الكبرى على الدول النامية وكذا آثارها السلبية من خلال انتشار الثقافة الأمريكية ومحاولتها الهيمنة وإقصاء ثقافة الشعوب.
وقد جاء في اتفاقية عالم جدير بالأطفال ما يهدد العالم الإسلامي ضرورة خدمة الإجهاض وتأمين الحرية الجنسية للمراهقات، وعلى الرغم من الاعتراف الصريح لبعض الوفود مثل وفد الولايات المتحدة وكندا على الرغم من رد الفعل الغاضب من الدول الإسلامية والفاتيكان وبعض المنظمات غير الحكومية الأخرى.
وتكرار ورود مصطلح gender بدلا من الأولاد والبنات أو الذكور والإناث، وهذا الاستعمال يعكس موقفا نسوياً راديكالياً في كل الوثيقة، وهذا الموقف يهدف إلى إزالة كل الفروق البيولوجية والنفسية بين البنين والبنات، ويتجاهل أيضاً التميز والتكامل في الأدوار الاجتماعية.
وكذا المطالبة المتواصلة بإنهاء (التمييز) وتحقيق (المساواة الكاملة للنوع) تتجاهل مبادئ الفروق الضرورية بين الرجال والنساء، وقد يتعارض هذا المبدأ أيضاً مع بعض معطيات الشريعة الإسلامية.(2)
في حين ترى اليونسكو في نهجها الجديد أن السياسة الثقافية، التي كانت مقسمة تقسيماً جامداً وتعتمد على الإحصاءات التي تؤدي إلى تنميط التصنيفات، وإلى رؤية كمية للثقافة لا إلى نوعها، ترى ضرورة توسيع البنى الثقافية، والحد من التدخل الحكومي, المركزي منه والإقليمي والمحلي لهذه السياسة، كما تدعو اليونسكو إلى ضرورة قيام مؤسسات كبرى مثل الهيئات والمنظمات المهنية، والكتّاب والمؤيدين للثقافة بجميع أصنافهم، وكذلك الفنانين جنباً إلى جنب مع ما تقوم به الحكومة، لتنفيذ كامل السياسة الثقافية لشعبها.
وخلاصة القول كما قال المصري القديم "أنا زرعت إذا أنا الزارع"..... لا نريد أن تتحكم أمريكا في مقدرتنا، نريد عمال وصناع وفلاحون يبنون ويصنعون ويزرعون ويحصدون بسواعدهم الوطنية، نريد المحافظة على حضارتنا وثقافتنا وقيمنا وتقاليدنا - المحافظة على هويتنا ولا نرفض التطور المعاصر بل نعمل على الوصول لهذا التطور، التمسك بحضارتنا وقيمنا كأساس لمواكبة العولمة والتطور ، ومن الخطورة على المجتمع المصري، الا نتمسك بحضارتنا وقيمنا فسوف يتحول المجتمع المصري إلى تابع لثقافة وقيم تعكس المجتمع الغربي ، وتطيح بعالمنا الشرقي .
وحتمية تعزيز التراث الثقافي والحفاظ على الهوية فدور التربية لا يقتصر بتحويل وسائل التكنولوجية من سمعية ومرئية التي كانت مجرد عامل يساعد على خلق تفاعل صفي بين الطالب من جهة، والمعلم وموضوع درسه من جهة أخرى، أصبحت الآن تشكل محور العملية التعليمية، وهيمنة العولمة التكنولوجية داخل التربية، سواء كغاية تعليمية مقررة ومطلوبة داخل سياق المنهج والدراسة، أم أنها وليدة اختيار الطالب كمردود طبيعي ونتاج عصره، وعلى المعلم أن يتخذ لنفسه الحيطة والحذر من أن يفقد علمه مقابل سعي الطالب خلف هذه العولمة، وبالتالي عليه أن يزيح أميته وعدم معرفته بموارد الثقافة والتطور الحالي بنفسه وبإيعاز من إدارته عن طريق الدورات التدريبية المستمرة وورش العمل الخاصة بذلك، وتطوير دور المعلم والناهج معاً لتقوم على أساس غرز القيم الدينية والاجتماعية والبيئية كي نتمكن من الحفاظ على هويتنا الثقافية والحضارية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق