الجمعة، مايو 15، 2009

حي السكاكيني بين الماضي والحاضر
حي السكاكيني بين الماضي والحاضر هناك العديد من القصور الفخمة التي تتميز بالقدم والفنون وغاية الجمال في مصر، منها قصر السكاكيني، الذي أطلق اسمه على الحي المقام به، وانه يُعد تحفة معمارية غاية في الروعة والجمال، بما يضمه في طرازه المعماري من مختلف فنون العمارة، بمدارسها التي تتنوع فيها العمارة الإسلامية، والفرعونية بل والصينية أيضا، إلى جانب فنون النهضة الأوروبية.
وبني قصر السكاكيني على يد معماريين إيطاليين جاؤوا خصيصا للمشاركة في بناء القصر، الذي يعتبر النموذج المجسم لفن “الروكوكو” هذا وقد تم بناؤه في عام 1897م.
كانت المنطقة التي يوجد بها قصر السكاكيني قبل بنائه عبارة عن بركة مياه، على الجانب الشرقي للخليج المصري، تعرف ببركة “قراجا التركماني”، قبل أن تؤول ملكيتها وما حولها إلى حبيب سكاكيني باشا، بحكم مرسى المزاد الصادر من محكمة مصر المختلطة في العاشر من يونيو في عام 1880، وما إن استقرت هذه البركة وما جاورها في حوزة السكاكيني باشا، حتى شرع في ردمها وبناء قصره الفخيم الذي يقع في منتصف الحي الموجود حاليا والذي يعرف بميدان السكاكيني، لتلتقي عنده كل الطرق المؤدية إلى الحي، وهي شارع السكاكيني الذي يمتد من الشارع الشهير شارع رمسيس الذي عبر منه العديد من الرؤساء والملوك والذي شهد أكبر جنازة في التاريخ الا وهي جنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، وكان الرئيس أنور السادات يمر في شارع رمسيس بسيارة مكشوفة ويصطف الناس ليلقوا التحية والهتافات للرئيس الراحل رحمه الله .
وينتهي شارع السكاكيني عند ميدان الظاهر بيبرس الذي يقع في وسطه جامع الظاهر بيبرس الذي يعود بنائة إلى عام 665هـ ، وشارع محمود فهمي المعماري الذي يقع فيه مدرستي محمود فهمي المعماري الإبتدائية ومدرسة غمرة الإعدادية بنين ، والتي أصبحت الآن مدرسة غمرة الإعدادية والثانوية بنين ، واتوقف هنا لاتذكر بعض الذكريات الجميلة ، فقد كان لي ذكريات عديدة سواء في المدرسة الإبتدائية التي كان يقف على سورها في الفسحة عم نور الرجل النوبي الأسمر طيب القلب ، فكان يقف على سور المدرسة لكي يبيع لنا السندوتشات ومشروب "استرا" المثلج ، وكانت تلك المدرسة عبارة عن قصر قديم قد تم تأميمه زمن "جمال عبد الناصر" فتحول إلى مدرسة إبتدائية .
المحزن أنه تم هدم ذلك القصر بدلاً من الإنتفاع به سواء في مجال المعمار والأبنية القديمة والتي يجب أن نحافظ عليها كتراث حضاري (ان الإنسان لا يستطيع أن يحيا بالحاضر دون الماضي) أو في مجال السياحة لأن هذا الحي العريق يحتوي على الأبنية والقصور الفخمة التي أزيلت بكل أسف ، وكذا ذكرياتي الجميلة التي لا تنسى مع زملائي واصدقائي والتي دامت صداقتهم حتى الآن مثل خالد عواد الذي أصبح زوج احدى شقيقاتي وطارق رفعت الذي اصبح جاري في مدينة نصر بعد انتقالنا من حي السكاكيني وغيرهم .
وكنا نلعب ونلهو ونتعلم من الاساتذه الافاضل الذين تتلمذنا على يديهم بعلمهم وتفانيهم معنا ، حتى أصبح لكل منا دوراً في المجتمع ، وهذه الذكريات التي غمرتنا سعادة كانت في المرحلة الإعدادية بمدرسة غمرة الإعدادية .
ولكن للأسف الشديد رغم تلك الذكريات الماضية الجميلة نعود للأحزان الآن كل الأحزان حينما تم هدم بناية مدرسة غمرة والتي كانت تحتوي على قصرين احداهما تحفة معمارية لا تقدر بثمن وياللأسف الشديد الذي جعل مسئول غير مسئول أن يتخذ قراراً متسرعاً دون دراسة وبلا وعي .
وشارع الشيخ قمر الذي ينتهي عند ميدان الجيش ، وشارع ابن خلدون الذي يرجع إليه الفضل بتسميته باسم العالم ابن خلدون إلى المهندس القصصي محمود طاهر لاشين، وكذا شارع طورسينا الذي ولد فيه المناضل والزعيم محمد عبد الرؤوف القدوة الحسيني "ياسر عرفات" ومما كان له أثر بالغ في التوسع العمراني في هذه المنطقة شمالا وشرقا، طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين.
حي السكاكيني من الأحياء العريقة والقديمة في القاهرة الجميلة... يرجع تسميته بهذا الاسم إلى حبيب جبرائيل انطون، المولود في مصر عام 1840، ولقب بـ«السكاكيني» نسبة إلى والده الذي كان يعمل في صناعة الاسلحة البيضاء، وكان قد جاء إلى مصر من دمشق عام 1830 م وكان يعمل في المقاولات ثم انتقل إلى حفر قناة السويس وهو صاحب القصر الشهير الذي يتوسط ميداناً كبيراً تتفرع منه شوارع عديدة وهي شارع السكاكيني- شارع محمود فهمي المعماري- شارع الشيخ قمر- شارع ابن خلدون.
وكان حي السكاكيني في بدايات القرن العشرين أقرب ما يكون لمجمع الأديان، حيث كان يضم اليهودي والمسيحي إلى جانب المسلم، وكان يوجد بالحي أكثر من مسجد، أشهرها مسجد الظاهر بيبرس كما كانت توجد به كنيسة وثلاثة معابد يهودية تهدم واحد، وما زال اثنان قائمان حتى الآن.
وكان من الأحياء الراقية الذي يقطنه المشاهير أمثال عميد الأدب العربي طه حسين وزوجته سوزان، وياسر عرفات الذي ولد بشارع طورسيناء أحد الشوارع التي تتفرع من ميدان السكاكيني، ومحمد عبد الوهاب الذي قطن لفترة بشارع سواريس بحي السكاكيني، والفنانة الكبيرة ماجدة الصباحي ،وسعاد حسني، وزكي مراد وابنته ليلى مراد، والممثلة راقية ابراهيم التي مثلت امام محمد عبد الوهاب فيلم رصاصة في القلب ، وعبد الفتاح القصري، وداود حسني ويقال أيضاً موشى ديان وغيرهم من المشاهير.
وقد كان شارع السكاكيني الذي كان يسير فيه الترام كان براحاً رغم وجود الترام في اتجاهين وكان نهايته عند نهاية هذا الشارع العريق، وكنا نحن أبناء هذا الحي نلعب الكرة في تلك الآونة في هذا الشارع فكما ذكرنا كان براحاً - فسيحاً- هادئاً رغم وجود الترام الذي كان يمتد من نهاية شارع السكاكيني إلى البساتين، واللاظوغلي، كان ذلك أيام الزمن الجميل حينما كانت العاصمة بالأبيض والأسود، دون رتوش ، ونعيش الآن في الواقع في الزمن الحالي المليئ بالأوان المبهرجة الزائفة .
ثم ظهرت الورش الميكانيكية وغيرها وألغي الترام فأصبح هذا الشارع لا يطاق من شدة الازدحام ليس ازدحام السكان بل ازدحام السيارات المكتظة في هذه الورش سالفة الذكر وكل صاحب محل أي حمل يضع حجر أو بضعة أحجار أو مقعد ولا يسمح لأحد بأن يوقف سيارته أمامه. هذا وجاء على هذا الحي العريق سكان جدد من بيئات مختلفة ورحل السكان الأصليين عنه، وهؤلاء كانوا يمثلون طبقة مثقفة ومتحضرة فتبدل الحال باناس لا يملكون سوى الأموال فقط ولا يعرفون العادات التي كانت سائدة في حي السكاكيني، هل تتخيل بأن هذا الشارع الذي يتراوح طوله ما بين أربعمائة وخمسمائة متر به فقط عدد "ثمان " من الورش الميكانيكية، وعدد أربعة كهربائي سيارات، هذا بخلاف محلات إكسسوار السيارات وقطع السيارات الخردة والقديمة والمستعملة، هذا كله بخلاف الورش المختلفة التي تتواجد بكثرة بين البيوت السكنية التي تختنق معها الشوارع والأزقة وتزاحم السكان وتقلق النيام، هذا بالاضافة للبائعة الجائلين وعربات الفول والقمامات التي تلقى في هذا الشارع العريق والذي كان في يوم من الايام جميلاً ونظيفاً بسكانه الذين ينتمون ويتمسكون بمبادئ النظافة والقيم الجمالية والحفاظ على البيئة .
هذا الشارع الذي كانت تظلله الاشجار وأعمدة الكهرباء القديمة ذو الشكل الجميل ، ورغم ان الترام كان يسير في وسطه فكان هناك الرصيف الآمن على جانبي هذا الشارع ولكن أين الآن الرصيف الآمن ليس فقط في شارع السكاكيني ولكن في القاهرة باكملها. أتمنى في آخر هذه الكلمات أن تنقل فعلياً هذه الورش إلى المناطق الصناعية والحرفية فهي بالفعل نقلت قانونياً ولكن يا الله ... للأسف لم تنقل فعلياً حتى وضع النقطة التالية بختام هذه الكلمات.
دكتور/ عماد رمضان سليمان
مدينة نصر 14/7/2006
بعض من صور قصر السكاكيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق