الخميس، أبريل 07، 2011

سكنى المقابر "ظاهرة تنفرد بها مصر على المستوى العالمي"...د/عماد رمضان سليمان

سكنى المقابر "ظاهرة تنفرد بها مصر على المستوى العالمي"

إعداد دكتور/ عماد رمضان سليمان

نوفمبر 2008م

هناك العديد من المشكلات التي يواجهها الإنسان متى حيا، ومنها مشكلة الإسكان التي يعاني منها الآلاف من سكان المعمورة وخاصة في الدول النامية والفقيرة، وتُعد هذه المشكلة من أخطر المشكلات التي يواجهها الإنسان، وتكمن خطورتها في أنه يتمخض عنها العديد من المشكلات مثل ظهور العشوائيات، البطالة، التسول، الجريمة، تعاطي المخدرات، زيادة الأمية، عمل الاحداث، تلوث البيئة وغيرها من المشكلات التي تتسبب في معاناة الدول النامية والفقيرة ويسكن أكثر من مائتي مليون شخص في النطاقات الفقيرة التي تحيط بالمدن الكبرى في الدول النامية حيث يعاني هؤلاء من ظروف معيشية بالغة الصعوبة كما يعانون من الفقر الشديد ويتعرضون لسوء التغذية ونقص الخدمات والمرافق الأساسية، ويعيشون في الأكواخ ومدن الصفيح وفي مناطق أخرى وضعوا أيديهم عليها بصفة غير شرعية فيتكدسون في أزقة موحلة تقوم على جوانبها أكواخ مبنية ومسقوفة بمواد مجمعة من هنا وهناك وطموح لايتجاوز توفير الحد الأدنى من الغذاء لأناس يتضورون جوعاً، والاحتماء من مطاردات رجال الأمن المتوقعة في كل حين، وكسب العيش يوماً بيوم، ورغم أن المظهر العام والأصول التاريخية تتغاير بين المدن الضائعة التي يطلق عليها مدن الفقراء التي تنتشر على مستوى العالم وخاصة العالم النامي، مثل مدينة مكسيكو سيتي، ومدينة كلكتا التي يطلق عليها مدينة الفقراء، والأكواخ المنتشرة من الصفيح والأخشاب في ضواحي القاهرة، فضلاً عن ظاهرة سكنى المقابر التي تنفرد بها مصر.

وعلى الرغم من اعلان الأمم المتحدة عام 1987م عاماً دولياً لإسكان من لامأوى لهم، إلا أنه ومع الألفية الثالثة، لازالت توجد نسبة كبيرة من المساكن فـي الدول النامية تشيد قبل الحصول على ترخيص ودون تخطيط مما يؤدي إلى زيادة العشوائيات، كما يوجد الآلاف من البشر بلا مأوى ويعيشون في الشوارع، أو في مساكن غير آمنة، أو من يعيشون في غرفة واحدة لاتصلح للسكن الآدمي،

ويشير "شارلز ابراس" Charles Abramas إلى أنه في بنما يسكن عشرون شخصاً في غرفة واحدة، كما أكد "روبرت سميث"shmitt Rabert C. أن نسبة 73% من سكان الاحياء المتخلفة في هونج كونج يعيشون في حجرات يقسمونها إلى مربعات صغيرة تفصل بينها ستائر، وتستخدم هذه المربعات للنوم والجلوس ومخازن للحاجيات الشخصية، ورغم ذلك فهم يفضلون العيش هكذا مع الأحياء عن العيش مع الأموات في المقابر، ولكننا نرى على النقيض انفراد المصريين بسكن المقابر مع الأموات وممارسة حياتهم الطبيعية بها كأنهم يعيشون بين أناس أحياء وليسوا أموات أو كأنهم يريدون أن يتمتعون بالهدوء والسكون الذي يعم القبور.

هذا وقد أوضح التقرير السنوي للتنمية البشرية لعام 2005م الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بأن أوضاع الكثير من دول العالم، خاصة البلدان النامية تعاني من فقر شديد وتدهور بمستوى المعيشة التي أصبح حالها أسوأ بكثير مما كانت عليه عام 1990م، لذا دعا التقرير الدول الغنية إلى احترام تعهداتها بمساعدة تلك الدول لكبح غول الفقر حيث إن أكثر من عشرة ملايين طفل يموتون سنوياً، فالفقر يقتل طفلا كل 3 ثوان في العالم.

كما يوجد حوالي 1,2 مليار شخص من سكان العالم يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم حسب تقارير التنمية البشرية،وأن حوالي 850 مليون من الناس يبيتون جوعـى كل يوم،فهم يعيشون في حالة فقر مدقع، فالفقر يتخطى مفهوم كونه نقص في الدخل، فهو يمثل سلسلة متصلة من حلقات الحرمان والتي تشمل سوء الحالة الصحية وتدنـي مستوى التعليم والافتقار الى الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية وإعاقة فرص مشاركة المواطنين في العمليات التي تؤثر على حياتهم، في حين أن النمو الاقتصادي يؤدي دوراً محورياً في تحقيق التقدم البشري، إلا أنه غير كاف لخفض معدلات الفقر، لذا يعتمد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على مقاربة متعددة الأوجه للحد من الفقر تركز على العمل مع الدولة والشركاء الدوليين لتطبيق خطط وسياسات محددة تجعل النمو أكثر شمولاً للكافة وتتيح متابعة التقدم على مستوى الاقتصاد الكُلي، وخفض معدلات الفقر لأن الفقراء هم الذين يتحملون الأعباء الأكثر خطورة فبالأضافة لما سبق فإن ما يقرب من 1, 1 مليار شخص في الدول النامية يعانون من مشكلة المياه الملوثة، وفي عام 2007م توفي حوالي 1,8 مليون طفل بسبب هذه المياه الملوثة.

ويرجع ذلك لأن الكثير من سكان المناطق العشوائية وسكان المقابر يعانون من عدم وصول المياه النظيفة إليهم، ويتضح بأن الفقراء هم الذين يتعرضون للأزمات الأكثر شدة بصفة مستمرة لا تنقطع.

وما أكثر العشوائيات والفقراء في مصر رغم أن مساحتها تزيد عن مليون كم2 إلا أن الغالبية العظمى من سكانها يتركزون في وادي النيل وعلى مشارفه في مساحة لا تتجاوز ٤ % من إجمالي مساحة البلاد، ولا يقابل النمو السريع المطرد في السكان إلا القدر الضئيل من الامتداد العمراني في الرقعة الصحراوية غير المستغلة والتي تمثل ٩٦ % من مساحة مصر مما يترتب عليه الارتفاع المستمر في الكثافة السكانية في هذه المساحة المحدودة حتى أنها وصلت في مدينة القاهرة إلى أعلى معدل لها في العالم، وقد تسبب التكدس السكاني بها إلى إحداث خلل في الزحف العمراني فأصبحت المدن الجديدة متلاصقة مع العاصمة مما ترتب على ذلك القصور في خدماتها نتيجة لفشل المدينة - عمرانيا واقتصاديا واجتماعيا – عن إمكانية استيعاب الزيادة السكانية، ويرجع ذلك لزيادة حجم الكتلة العمرانية للمدينة بصورة غير مدروسة أو مخططة وهو ما يعرف بالتضخم العمراني.

وقد أشار أخر تقرير أصدره الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء لعام 2007م إلى أن عدد سكان مصر بلغ عام 2006م أكثر من 73 مليون ونصف المليون نسمة، والحقيقة أن عدد سكان القاهرة هم أكثر نمواً وهذه الزيادة المطردة لاترجع فقط إلـى زيادة نسبة المواليد على نسبة الوفيات وإنما ترجع أيضاً إلى توالي الهجرة إلى القاهرة، وكذا عدم تحديد الأحياء، وتداخل المناطق الصناعية في المناطق السكنية، وشغل المقابر مساحة واسعة من تلك المناطق،

كما تمتد الأحياء الفقيرة أو العشوائية والتي تعرف باسم الأحياء غير الرسمية على رقعـة تعادل نصف مساحة العاصمة المصرية، ويقدر عددها بنحو 1034 منطقة، منها 903 منطقة مطلوب تطويرها وهنالك 81 منطقة مطلوب إزالتها، ويسكن في تلك الأحياء العشوائية نحو 12,6 ميلون نسمة، ويشكلون نحو 46% من اجمالي سكان المراكز، كل ذلك يستدعي ضرورة النظر في إعادة تخطيط القاهرة. ونتيجة للإزدحام الشديد وقصور الخدمات تتعرض القاهرة للعديد من المشاكل الصحية والاجتماعية والبيئية مثل ارتفاع نسبة التلوث بها إلي أكثر من معدل الأمان المسموح به دوليا‏،‏ ومن ثم يصعب ترجمة كل هذا في صيغة خسائر مادية وصحية أو حتي معنوية‏،‏ لكن أخطر مشكلة هي بلاشك مشكلة الإسكان التي تفاقمت إلى حد كبير، فنسبة كبيرة من مباني القاهرة متداعية متهالكة وآيلة للسقوط ونسبة أكبر تجاوزت عمرها الافتراضي.

ولذلك أطلقت منظمات المساعدة التنموية الغربية هذه التسمية على تلك الأحياء ، لأن الفقراء النازحين من الريف بنوا بيوتا دون موافقة الدولة، وأن معظم المباني والأحياء العشوائية ظهرت بدون أي تخطيط وبطريقة عشوائية لا تراعي أي قواعد فنية أو معمارية أو صحية أو بيئية، وتعيش في هذه المناطق غالبية سكان القاهرة الذين يعانون من انخفاض الدخل وكذا يعانون من البطالة، وتسعى كل من المؤسسات والجمعيات التنموية الأهلية، والحكومية على السواء لتحسين الأوضاع السكنية في الأحياءالفقيرة والعشوائية.

وعليه فمن الخطورة على الشكل الحضاري للعاصمة العريقة أن توجد فئات من سكان القاهرة يعانون من عدم وجود مساكن لهم فيلجأون إلى الأحواش والعشش والخيم والعربات الثابتة بل وصل الأمر للبعض منهم للسكن في المقابر كي يعيشوا فيها مع الأموات، فآلاف العائلات من فقراء المصريين يعيشون في مدافن قديمة حولوها إلى مساكن يأوون اليها بدلاً من الشوارع، وهذا ما يعرف بسكنى المقابر، تلك الظاهرة التي تنفرد بها مصر عن غيرها من مدن العالم وهي عادة موجودة منذ القرن التاسع عشر الميلادي، وقد أصدر أول إحصاء لعدد سكان المقابر بأنه بلغ قرابة 35 ألف نسمة عام 1898م، وقد بلغ سكان المقابر في تعداد 1947 نحو 69 ألفاً، وفي عام 1966 بلغ حوالي 97ألفاً، ومنذ ذلك الوقت وأعداد سكان المقابر تشهد تزايداً مستمراً مع تزايد أزمة السكن.

ثم تضاعف عدد سكان المقابر عند تهجير معظم سكان مدن القناة في الفترة مابين عامي 1967م و 1973م إلى مدينة القاهرة وضواحيها وجهات أخرى من مصر وسكن في القاهرة وحدها ما يقرب من مليون ونصف المليون نسمة، مما زاد من ازدحام المدينة ازدحاماً شديداً كان له أثره البالغ في الضغط على كافة المرافق ونواحي الحياة وتعقد أزمة الإسكان، وترتب على ذلك لجوء الكثير إلى سكنى المقابر، وقد أشار أخر تقرير أصدره الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء لسنة 2000م إلى أن سكان المقابر تضاعفوا عشرات المرات بسبب تفاقم أزمة الإسكان ووصل عددهم في أخر إحصاء إلى 2 مليون نسمة، وحسب التقديرات غير الرسمية بلغ تعداد ساكني المقابر من 2 مليون إلى 3 مليون نسمة، وأن هذا العدد الكبير الذي يفوق تعداد سكان بعض الدول العربية والأوروبية يمثل شريحة منعزلة عن المجتمع واشكالية اجتماعية واقتصادية ونفسية لها سلبياتها الكثيرة والعديدة.

وأظهرت الإحصاءات أن أزمة الإسكان ترجع إلى عوامـل عديدة منها ارتفاع أثمان المسكن بسبب ارتفـاع أسعار مواد البناء وتكدس العشوائيات والهجرة الداخلية من الريف أومن المدن الصغيرة إلى القاهرة، مما أدى إلى ما يعرف بالتحضر الزائف بمعنى زيادة درجة التريف، وترتب على ذلك ازدحام المدينة ازدحاماً شديداً، ولمواجهـة هذا الازدحام لجأ الكثير من السكان إلى بناء غرف اضافية من الطوب اللبن التي تعلو أسطح الشرفات أو اضافة جزء من مدخل البيت لتوسعة المسطح السكني، وكذلك لجوء بعض سكان القاهرة إلى سكن المقابر فأصبح الأحياء يزاحمون الأموات.

كما أن تخلف الهياكل الاقتصادية والانتاجية ساعد على تدفق الهجرات إلى مدينة القاهرة والذي نتج عنها مشكلات سكنية مما أدى إلى ظهور نوع جديد من المساكن، وهو المساكن العشوائية وسكن المقابر، التي أدت فيما بعد لارتفاع نسبة الجريمة والاعتداءات والتي قام بها بعض سكان هذه الأحياء الفقيرة والعشوائية والتداخل والصدام الاجتماعي بين هؤلاء الذين يعيشون في هذه الأحياء مع سكان المدينة، فمن سمات سكان المقابر والأحواش هو ارتفاع درجة التزاحم في الحجرة الواحدة، وافتقارهم للمرافق الداخلية المتمثلة في دورة المياه المستقلة، أو المطبخ المستقل، وتؤدى هذه الوظائف في مكان المعيشة الذي يكتظ بعدد وفير من الأشسخاص، وكذا تدني المستوى الاقتصادي والتعليمي وارتفاع معدلات الأمية، ولازالت المشكلة قائمة بل وفي ازدياد وذلك بسبب ارتفاع عدد الوحدات السكنية المهددة بالسقوط والإزالة في مدينة القاهرة، وكذا العقارت المهددة بالانهيار في المستقبل القريب، فهي أيضاً من الأسباب التي تجعل بعض الناس يلجأون إلى سكن المقابر. وحتى الآن وفي بدايات الألفية الثالثة لازالت مدينة القاهرة تواجه كمثيلتها من مدن مصر مشكلة الاسكان، وقلة الاسكان المُرضي الرخيص مما أجبر العديد من السكان الفقراء ومحدودي الدخل للعيش في أماكن المقابر أو الترب منفصلين عن المجتمع، ومن الواضح أن سكان المقابر في القاهرة يتزايدون بسبب الهجرة الريفية وأزمته السكنية المعقدة وكذا بسبب البطالة التي تصل نسبتها نحو 39%.

وليس الفقراء ومحدودي الدخـل فقط مـن تواجههم مشكلة السكن، فالفئات المتوسطة أيضاً تعاني من ارتفاع الاسعار المستمر، وبجانب سكن المقابر، هناك في أحياء القاهرة القديمة أسطح المنازل التي تتكدس بالأسرالمصرية، وكل أسرة تقطن غرفة واحدة، ولعل التوسع في العمران شرقاً وجنوباً يقتصر في الغالب على الأغنياء، ولذا ينحصر السكان الفقراء ومحدودي الدخل في أحياء القاهرة القديمة بأقصى الشمال الشرقي ووسط المدينة، ونستطيع أن نجزم بأن سكان المقابر ظاهرة تنفرد بها مدينة القاهرة على المستوى العالمي ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة أهمها أزمة الاسكان وارتفاع أثمانها، بسبب أرتفاع أسعار مواد البناء في وقتنا الراهن وتكدس العشوائيات والبطالة والهجرة الداخلية من الريف طمعاً في فرصة عمل، فما تمر به القاهرة الآن يُعد أزمة خطيرة من "تلوث الهواء وتلوث المياه والتربة الزراعية والازدحام الشديد والامراض النفسية، والسلبية والتخبط والعشوائية والهمجية"، ومن يدقق الآن يرى أن البعض من الذين يقطنون ويستقرون في المقابر هم الذين يتطلعون للثراء، فمنهم من ورث عن أجداده وآبائه مزاولة مهنة دفن الموتى التي أصبحت مصدر ثراء في مصر، بل يتعدى الأمر عن ذلك بأنهم يبيعون بعض المدافن وأراضي من المقابر لبناء مقابر جديدة بل يقومون أيضاً ببيع الموتى، وأنهم يعيشون حياة طبيعية بالنسبة لهم، وأصبح من الطبيعي لمن يزور المقابر الشهيرة بالقاهـرة مثل مدافن الغفير وباب النصر والامام الليثي والبساتين والمجاورين ومدينة نصر ومصر الجديدة أن يشاهد أسر بأكملها تعيش وسط المقابر وتتخذ من شواهد القبور مناضد لوضع جهاز التلفزيون، أو تعليق حبال لنشر الغسيل بين شواهد القبور، بل وقد يفرغ أهل أحد الأموات من دفن عزيز لديهم في الصباح، ليقام في ذات المكان مساء حفل زواج لأحد سكان مناطق المقابر.

ولكن زيادة السكان وارتفاع معدل النمو السكاني وارتفاع اسعار مواد البناء وانخفاض الدخل وعدم توافـر فرص عمل فـي الريف المصري وصعيد مصر، ومـع معاناة رب الأسرة المصرية وكثرة الهجرات الداخلية وخاصة إلى مدينة القاهرة ازداد عدد الأفراد الذين يعيشون في المقابر، وكذا مع الزحف العمراني الخطير لضواحي القاهرة فأصبحت القاهـرة وضواحيها تشكل نسبة كبيرة مـن سكان مصر وهذا ما يعرف "بالقاهرة الكبرى.

* التـي تعتبر أكبر تجمع سكانـي حضري على مستوى العالم العربـي والشرق الأوسط وقارة أفريقيا، وتحتل المركز السابع على مستوى العالم في الازدحام، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 14 مليون نسمة وهو ما يعادل 20% من تعداد سكان مصر وكذا ما يعادل مجموع سكان الوجه القبلي، ويتوقـع أن يصل سكانها إلى 21مليون نسمة سنة 2022م، وبالتالي أدى ذلك إلى تفاقم مشكلة الازدحام وقلة المساكن التي تستوعب سكان هذه المنطقة، هذا وقد أقرت الوثيقة الصادرة عن المجلس القومي للسكان وضع استراتيجية لإعادة توزيع السكان في مصر، تهدف إلى إحداث توازن نسبي بين توزيع السكان في الوادي والدلتا من جهة، وفي الصحاري من جهة أخرى.

ويشير تقرير التنمية البشرية في مصر بأن منظمات المجتمع المدني سيكون لها دوراً رئيسياً بشكل متزايد في محاربة الفقر والبطالة، وتوفير فرص العمل ووصول أفضل للخدمات الصحية للفئات الأشد احتياجاً، وتحسين جودة التعليم المجاني، ومعالجة مجموعة من القضايا الأخرى التي تؤثر بشكل مباشر على معيشة المواطنين والمجتمع، وخاصــة المجتمعات المهمشة، مثل العشوائيات وسكان المقابر وتحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية والإنصاف بين أفراد المجتمع الواحد.

وعليه فمدينة القاهرة تعاني من السلوكيات الخاطئة والصدام الحضـاري بين سكانها الاصليين الذيـن أخذوا فـي الانقراض وبين المهاجرين إليها، صدام بين التحضر والتحضر الزائف ، وكل ذلك يؤثر تأثيراً كبيراً على صحة المواطن المصري وكذا على السياحة المصرية، والأخطر الذي يشوه جمال القاهرة ويؤثر عليها تأثيراً سلبياً هو سكنى المقابر تلك الظاهرة التي تنفرد بها مصر.

* القاهرة الكبرى هو مايطلق على كيان إداري في منطقة واحدة وتشمل مدن القاهرة والجيزة والقليوبية وأصبحت تشمل خمس مدن وهي القاهرة والجيزة والقليوبية وحلون و6 أكتوبر، وجميع المناطق المذكورة هي امتداد عمراني طبيعي للعاصمة القاهرة، لذا تعتبر القاهرة الكبرى كتلة واحدة أو محافظة واحدة، فلديها شبكة واحدة من المواصلات ومنها مترو الانفاق.

وخلاصة ماسبق نستعرض بعضاً من الآثار السلبية المترتبة على سكنى المقابر وهي كما يلي:

· عدم وجود المرافق من مياه الشرب والكهرباء وشبكات الصرف الصحي.

· إنعدام الخدمات من الطرق والمواصلات والمدارس والمستشفيات.

· الصدام الحضري والاجتماعي بين سكان الحضر وبين المهاجرين من الريف إلى المدن.

· تشويه جمال مدينة القاهرة وآثاره السلبية على السياحة المصرية.

· سوء الأوضاع البيئية وانتشار التلوث والأمراض وافتقاد المساحات الخضراء.

· زيادة معدل البطالة في المجتمع المصري وانتشار الجريمة.إنعزال تلك الشريحة عن المجتمع المصري.

· سوء التغذية وعدم وجود الرعاية الصحية.

· زيادة نسبة الأمية في مصر.عدم الانتماء الحضاري.

وعليه فإن توفير المسكن الملائم يمثل أحد الاحتياجات الضرورية للإنسان المعاصر ، مع المأكل والملبس ، الثالوث الرئيسى لحياة الإنسان ، ومن هنا تبرز أهمية الالتزام بتوفير السكن والتغلب علي كافة التحديات التي تمثل عائقاً فى سبيل ذلك وتتلخص فى " زيادة معدل النمو السكانى وارتفاع أسعار الأراضي والمرافق ، ونقص التمويل اللازم للبناء " ، ومن هنا فقد وضعت الدولة سياسات عدة تؤدى للتغلب على التحديات والانطلاق نحو توفير المسكن الملائم لكل مواطن ، وقد تمثلت هذه السياسات والإجراءات فى الآتى :

التزام الدولة بالاستمرار فى تقديم القروض الميسرة لمحدودى الدخل.التوجه الى الصحراء وإنشاء المدن الجديدة لزيادة الرقعة المعمورة.توفير الأراضى وإمدادها بالمرافق والخدمات بهدف إنشاء وحدات سكنية لمحدودى الدخل والشباب .

تطوير المناطق العشوائية .الحفاظ على الثروة العقارية الحالية.
اوعليه فهناك دور كبير من القطاعات الحكومية والرأسمالية للقضاء على تلك الظاهرة ولن يتحقق ذلك إلا إذا كانت هناك جهود كبيرة وأعمال كثيرة ومنها ما يلي:

1. توفير مساكن بديلة لسكان القبور ولسكان العشوائيات.

2. وضع قوانين تعاقب من يسكنون المقابر أو يجعلون المقابر سكناً لهم.

3. توفير فرص عمل للحد من البطالة والجريمة.

4. توعية الناس بخطورة سكن المقابر التي تسبب في انتشار الجريمة والاعتداءات مما يشوه صورة مصر أمام العالم.

5. تفعيل دور الاعلام لنشر الوعي الوطني لدى الناس بأهمية الشكل الحضاري لمصر وعدم تشويهها، والعودة لجمالها.

6. توعية الناس بعدم المبيت في القبور أو جعلها سكناً أو مأوى واحترام الأموات.

7. بناء مدن جديدة خارج نطاق وادي النيل.

8. الاهتمام بالمدن قلية السكان وإقامة مشروعات وتوفير الخدمات لجذب الشباب إليها مثل سيناء والبحر الأحمر والوادي الجديد.

9. تحسين المساكن من خلال بناء مساكن جديدة وإزالة الأحياء الفقيرة والعشوائية.

10. عمل ندوات لسكان القبور ومشاركتهم في اتخاذ القرارات.

11. تحقيق العدل الاجتماعي والاقتصادي لكل مواطن.

12. عدم تهميش تلك الشريحة (سكان المقابر) من المجتمع.

13. إعادة تخطيط القاهرة ونقل المصانع والورش الصناعية إلى المدن الصناعية.

14. تشجيع الهجرة العائدة من خلال إقامة مشروعات جاذبة في المناطق الريفية.

15. تنفيذ القوانين الخاصة بحماية الأراضي من التعديات العشوائية الجديدة.

16. إنشاء مشاريع إسكان لذوي الدخل المحدود وتشجيع المشاريع الاسكانية التعاونية وتطويرها.

بعض الحلول المقترحة لمواجهة هذه المشكلة:

· مشاركة المواطنين مشاركة فعالة وإيجابية في الأمور المتعلقة بحياتهم وصحته.

· النهوض بخدمات الصحة والبيئة وظروفها في المدينة والمناطق الريفية.

· تنمية الريف وتوفير كافة المرافق والخدمات.

· إقامة مشروعات صناعية ذات تكنولوجيا متوسطة.

· توفير المستوى الأمثل من الخدمات الصحية العامة لجميع السكان.

· تعزيز دور المرأة ومراعاة احتياجات الاطفال في الريف.

· تشجيع الجمعيات الاهلية لمكافحة الأمية.

· إنشاء المدارس التعليمية العملية التي تقوم دراستها على التكنولوجيا الحديثة في المناطق الريفية.

· القضاء على المناطق العشوائية إما بالتطوير أو الإزالة.

· إصدار قانون يمنع ويجرم السكن في المقابر.

وخلاصة القول فإن هذا الأرث المظلم من سكان المقابر الذين يعملون كترابية فهؤلاء ولدوا وعاشوا وتربوا في المقابر وورثوا هذا العمل، كما أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا خارج نطاق المقابر، ونستطيع أن نصف هؤلاء بالأحياء الأموات وبالرغم من ذلك فهم يتمتعون ويحيون ويعيشون نمط حياة خاص بهم ويفرحون ويحزنون ويتزوجون وينجبون فلهم عالمهم الخاص، وبجانب أعمالهم كترابية يعملون أيضاً في أعمال البناء أي بناء قبور جديدة أو تجديد مقابر لذا فمنهم من يتمتع بدخل اقتصادي وفير، وآخرون فقراء لا دخل لهم، والبعض يزاول مهن أخرى مثل أعمال التجارة والوظائف المختلفة، ومنهم الشباب الذين ورثوا هذه المهنة من خريجي الجامعات ولكنهم يتمسكون بعمل أجدادهم وآبائهم فهو العمل الذي يوفر لهم المأوى والمأكل، ولازال الشكل الحضاري للعاصمة في ارتياب، ولازالت المشكلة قائمة حتى يومنا هذا، وتتطلب جهوداً مضنية حتى نتمكن من الوصول لوضع حلول لها.

المراجع:

. إبراهيم العيسوي، عمر الفاروق أمين: حوار حول الرؤية المستقبلية للتنمية في مصر، "مشاكل البطالة وإعادة التأهيل وفرص تشغيل الشباب" (نظرة مستقبلية)، سلسلة ندوات 2001 – 2002م، الحلقة الخامسة (22-1-2002م)، معهد التخطيط القومي، 2002، ص 39.

2. الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء: موقع الانترنت،

www.msrintranet.gov

3. المعهد العربي لإنماء المدن: "ظاهرة السكن العشوائي في بلدان العالم الثالث" أسبابها – وآثارها السلبيى، 1993م، ص 105.

4. الهيئة العامة للاستعلامات، مصر، الكتاب السنوي 2007م، ص 247.

5. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الصندوق العربي للانماء الاقتصادي الاجتماعي، برنامج الخليج العربي، لدعم منظمات الأمم المتحدة الانمائية، تقرير التنمية الإنسانية العربية، للعام 2005م ص ص 25 – 28 6.

6. باقر النجار: العولمة، المجموعات الضعيفة والإقصاء الاجتماعي في المنطقة العربية، ورقة عمل حول "تأثير العولمة على الوضع الاجتماعي في المنطقة العربية"، (بيروت،19-21، 2005م)، ص 29.

7. تقرير التنمية البشرية لمصر، العدد العاشر، سنة 2008م.

8. جريدة الأهرام: مشـاكل الإسكان التعاوني تبحث عن حلول مـشروع قانون جديد يتلافـي ازدواجية الرقابة، الاثنين، 9 أغسطس 2004م، السنة 127، العدد 42980.

9. جريدة الشرق الأوسط: العدد 10630، السبت 5 -1 – 2008م.

10. شحاته عيسى إبراهيم: القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 2001م، ص 417.

11. عبد الرؤوف أحمد الضبع: الاحياء العشوائية وخصائص سكانها، "دراسة ميدانية على منطقة المعصرة بحلوان" المجلة المصرية للتنمية والتخطيط، معهد التخطيط القومي، المجلد الخامس، العدد الثاني، ديسمبر 1997م، ص ص 158- 159.

12. عبد الله العلي النعيم: الأحياء العشوائية وانعكاساتها الأمنية ندوة ( الانعكاسات الامنية وقضايا السكان والتنمية )، القاهرة – 22/ 12/2004م

13. عصام الدين محمد علي: "التضخم العمراني في مصر ومعوقات الجذب السكاني في المدن الحضرية الصحراوية الجديدة"، مؤتمر الانفجار السكاني في المدن العربية وتحديات القرن الواحد والعشرين، المعهد العربي لإنماء المدن، الكويت، ٢٤ - ٢٦ أبريل ٢٠٠٠ م.

14. كريستينا برغمان: "من السكن العشوائي إلى أحياء سكنية، ترجمة حسن حسين، 2008م

15. نادية فرح: السكان والتنمية في مصر، النمو السكاني والسياسة السكانية، سلسلة العلوم الاجتماعية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 2005م.

16. نعمان الزياتي: مصير العاصمة في أيدي المخططين وليس المستثمرين، الأهرام الاقتصادي، السنة 126، العدد 2019، 24 – 9 – 2007م.

المراجع الأجنبية:

- Linda Oldham & others:" informal communities in Cairo" the American university in Cairo press, the basis of a typology, V10, N4, 1987, pp 45-51.

- United Nations Development Program me, Undp Arab States, 2008.

Top of Form

Bottom of Form

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كلامي