الأحد، أبريل 03، 2011

التاريخ والقيم البيئية........ دكتور/ عماد رمضان

التاريخ والقيم البيئية:

History and Environmental Values

د/ عماد رمضان

التاريخ كمادة دراسية يلعب دوراً هاماً في توضيح العلاقة بين الإنسان والمجتمع بالزمان والمكان، كما أن دراسته تتيح الكثير لتعليم وتربية القيم السلوكية وغيرها من القيم فالتاريخ يحكي قصة الإنسان ونشأته وتطوره على مر العصور ومدى ارتباط ذلك بالماضي والسبل التي تجعل الحاضر أفضل من أجل حياة سعيدة للبشر في المستقبل، وأنه يهتم بالحاضر ودراسة وتحديد مشكلاته والتصدي لحلولها والتخطيط لمستقبل خال من المشاكل.

كما أن التاريخ يُعد جزء من المفاهيم التي تقدم للطلاب وترتبط بالإنسان وعلاقته وتعامله مع بيئته الطبيعية والبشرية وتأثير كل منها في الآخر، وكيف يستغلها الإنسان ويغيرها ويطورها لصالحه ولمزيد من حياة الرفاهية التي يرجوها عن طريق تفكير الإنسان المستمر في مواجهة مشكلات هذه البيئة التي يعيش فيها ومحاولة إيجاد حلول لهذه المشكلات، كما يعمل التاريخ على تنمية القيم واكتساب المهارات والاتجاهات المرغوب فيها والمشاركة الفعالة في المجتمع على المستويين المحلي والعالمي.

على أن تدريس التاريخ في مختلف المراحل التعليمية يهدف إلى فهم الحاضر من خلال الماضي، وأن كثيراً من الأحداث الجارية يتعذر فهمها دون إدراك لما يتصل بها من الأحداث الماضية، وأنه لا يمكن فهم تلك الأحداث بصورة صحيحة دون معرفة أصولها، وفي هذا الصدد فقد ذكر روجرز Rogers أمثلة من التاريخ الحديث، "فكثير من المشكلات التي تواجهها بعض الدول الأفريقية تعود إلى الفترة التي خضعت فيها هذه الدول للاستعمار"، كما أشار سترينس Stearns(1989) أنه يجب أن يكون من أهداف تدريس التاريخ هي تلك الأهداف التي تساعد الطلاب على تنمية القيم الأخلاقية ومهارات التفكير وحل المشكلات.

وإذا أردنا أن نصدر حكماً على مدى تقدم أمة من الأمم أو مجتمع من المجتمعات فعلينا أن نرى مدى حرص هذه الأمة أو هذا المجتمع على الاهتمام بتاريخه، ومدى صدق المنهج عند تدريس هذا التاريخ، لأن التاريخ يعمل على تشكيل شخصية الطلاب وتكوين اتجاهاتهم المختلفة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، كما يساهم التاريخ في تكوين القيم والاتجاهات والميول، وأيضا تأثير الدراسة التاريخية في كيفية تعامل الإنسان مع بيئته الطبيعية والمشيدة.

كما أن الدراسة التاريخية يمكن أن تسهم في تنمية الجوانب الأخلاقية لدى الطلاب، فللتاريخ دلالة أخلاقية إيجابية عندمـا يدرس كوسيلة لفهم الحياة الاجتماعية فيما يحتاجه الطـلاب فليس الطالب في حاجة إلى كثرة دروس الأخلاق المنفصلة إلى حد كبير بل أنه في حاجة إلى تكوين مهارة تفسير الأحداث الخاصة التي تقع، والمواقف المعينة التي تعرض نفسها بلغة الحياة الاجتماعية.

ودراسة التاريخ لها وظائف عديدة ومتنوعة فمن خلال تدريس التاريخ يحصل الطلاب على قيم تربوية ونفسية وتاريخية، فالقيم التربوية والنفسية ذات صلة بالبيئة ومن ثم يمكن تحقيقها عن طريق القيام بأنماط من النشاط العملي البيئي، حتى ينتقل الطالب من التأمل في البيئة إلى مستوى ممارسة السلوك البيئي السليم وبناء القيم البيئية.

وقد أكدت كل من جينثر (1980)Guenther (5) وطومسن وديزنجر (1998)Tomsen & Disinger (6) وبيتر وأورلاندو (1999)Peter & Orlando (7) على أهمية ممارسة الأنشطة عند تدريس التاريخ واستخدام المجتمع كمجال للدراسة مما يساعد الطلاب في اكتساب العديد من المهارات مثل مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات كما أنه يساهم في تكوين المنظومة القيمية التي تتوافق مع قيم المجتمع، وضرورة الربط بين ما يتم تعليمة وما يجري حول الطلاب في بيئتهم المحلية بحيث تتحقق آمال وطموحات المجتمع في أبنائه.

كما أشارت دراسة أجريت في جامعة براد فورد University of Bradford(2002) إلى التعليم مدى الحياة مـن خلال تدريس التاريـخ الذي يهدف معرفـة الماضي وفهمه، وفهم العلاقة بين الإنسان والآخر، وتفاعله مع بيئته، والتمييز بين الأحداث التي وقعت والاستفادة منها في الحاضر والتي تساعد على التخطيط السليم للمستقبل واتخاذ القرار.

وقد تناول مجلس علم الآثار البريطاني بيان القيم الرئيسية للبيئة التاريخية ومدى ما يساهم به كل من علم الآثار والبيئة التاريخية بشكل كبير في معرفة نوعية حياة الناس في الوقت الحاضر والمستقبل وذلك فيما يلي:

  • فهم تطور المجتمع الإنساني من قبل التاريخ في معظم الأوقات التاريخية।
  • فهم الناس للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتـي تُعد سمة كبيرة فـي البيئة الطبيعيـة حيث أنها تتطلب نظرة وقائية مستمرة।
  • الارتباط الثقافـي والطبيعـي وشغل وقت الفـراغ يُعد مصدر للمتعـة والاهتمام بالبيئـة الطبيعية والمصنوعة، كما يساهم هذا الارتباط في النشاط الذهني والطبيعي للناس।
  • علم الآثار والبيئة التاريخية يعدان قاعدة أساسية من الهويات التاريخية والثقافية، التي تساهم فـي إحساس وشعور الناس نحو المكان وتكوين القيم المشتركة।
  • تطوير مهارات الناس الثقافية والاجتماعيـة لاستغلال الأشياء الثمينـة المستعملـة والتـي نحتاجها للاستفادة منها।
  • تحفيز الناس لتحسين نوعية البيئة الطبيعية حيث يعيشون بها أو يعملون فيها أو يزورونها।
  • زيادة التطور الاقتصادي والاجتماعي بالاستفادة من الآثار التاريخية كمصدر رئيسي للدخل من خلال السياحة، وتوظيف العمالة.

ومن خلال هذه المنافع سابقة الذكر يمكن أن يتحقق الحد الأقصى منها بتنمية وعي الناس للماضي وتطور ثقافتهم وتنمية القيم البيئية، التي تساعدهم علـى تقدير البيئـة التاريخية لمنفعة الأجيال الحالية والمستقبلية، وهناك شروط عملية تساعد على وعي الناس للماضـي الذي يستند علـى المعرفة والفهم، والشعور والإحساس تجـاه البيئة التاريخية التي تُعد حافزاً لحماية البيئة، ومن خلال الثقافة والطبيعة يشعر الناس بمتعة الماضي وتقدير البيئة التاريخية، فالعلاقة بين التاريخ والبيئة هي تلك العلاقة التي تساعد في تكوين قيم بيئية والتصدي للمشكلات والوصول لحلها.

دراسة تاريخ بعض علماء العرب، مثـل الرازي، وابـن النفيس، وعبد اللطيف البغدادي، وابن سينا، والتميمي، والكندي وغيرهم ، من الذين ابتكروا الأدوية والعلاج للأمراض التي يتعرض لها الإنسان، بعد دراسة هذا الموضوع، باستخدام أساليب تدريسية ووسائل تعليمية مناسبة وكذا الأنشطة التعليمية التي تساعد على توضيح القيم، ثم مناقشة الطلاب حول أسباب هذه الأمراض، ومنها التلوث البيئي مثل تلوث الهواء والمياه، الذي يرجع إلى سوء تقدير ومعاملة البيئة من قبل الإنسان. وعليه يتم توضيح أهمية سلوك الإنسان الصحيح تجاه البيئة، وإكساب الطلاب قيم بيئية مثل المحافظة على البيئة، وحماية البيئة من التلوث.

والإحداث التاريخية توضح علاقة الإنسان والبيئة، وارتباط حياته بظروف بيئته كأحداث تاريخية لها ارتباط كبير بالظروف الجغرافية والاجتماعية في البيئة، كما أن المعالم التاريخية في البيئة لها علاقة مباشرة بالمسرح الجغرافي والاجتماعي تلك التي ترتبط باستغلال الإنسان للموارد الطبيعية التي تعتبر من أهم مكونات البيئة، والتي تلعب دوراً كبيراً في حياة الإنسان وتقدمه.

وخلاصة القول فإن مادة التاريخ من بين جميع المواد الدراسية تحتل مكانة خاصة في موضوع القيم البيئية نظراً لطبيعتها ومجالات البحث فيها، خاصة وأنها تُعد مجالاً خصباً لدراسة الجوانب البيئية وتفاعل الإنسان مع بيئته وتأثيره وتأثره بها، فالتاريخ هو عملية تغيير الإنسان لبيئته وأنه حيثما لا يوجد تغيير، فليس ثمة تاريخ وتشير الأهداف الوجدانية لمادة التاريخ إلى مجموعة من القيم التي تجعل الطالب يسلك سلوكاً مرغوب فيه في بيئته بل وفي مختلف جوانب الحياة.

دور المعلم في تنمية القيم البيئية:

لم تقدم مهنة التدريس اهتماماً واضحاً ومنظماً لمجال تنمية القيم، والذي يتوقع أن يكون أحد العلاقات المميزة في الإعداد لمزاولة مهنة التدريس، ومن ثم فإننا في حاجة إلى مداخل جديدة لإعداد المدرسين للقيام بدور هام في تربية القيم وإثراء دور المؤسسات التربوية في مناقشة وتحديد قضايا القيم، وسوف تؤكد على مجال الفرص المتساوية equal opportunities حيث أن لهذه المهنة مكانتها في الرأي السياسي والعام، فالمعلم يحتاج إلى أن يكون قادراً على المساهمة في تنمية القيم أو على الأقل يكون قادرا على التفكير في قضايا القيم، فأنه في حاجة إلى التأمل في هذه الأفكار ومناقشتها ومحاولة نقلها إلى مجال الدراسة.

ويؤكد جو Joe (2002) في "كتابه التعليم البيئي" إلى أهمية المعرفة البيئية على مستوى الأوضاع التعليمية الرسمية وغير الرسمية، لكل مـن المعلم والطالب من خلال الإطلاع من مصادر مختلفة، وعن طريق المقررات الدراسية، ومن خلال الطبيعة التي هي جزء من المدرسة التي تهدف إلى التعليم البيئي، وقد صنف ستة موضوعات رئيسية لتدريب المعلمين لتحقيق سلوك صحيح نحو البيئة من خلال تنمية القيم البيئية وهي كما يلي:

  1. تعريف التعليم البيئي
  2. ما أهداف التعليم البيئي ؟
  3. إكمال التعليم النظامي للبيئة
  4. تعليم بيئي بعد دراسة الطبيعة
  5. موارد التعليم البيئي
  6. استخدام بعض الموديولات للتعليم البيئي.

كما أكد ألكسندر وآخرون Aleixandre & Et,al (2000) على أن المعرفة البيئية تساعد الطلاب في تكوين القيم البيئية، وضرورة وضع أهداف محددة لتحقيق تنمية القيم نحو البيئة, من خلال توضيح المعلم القيم المراد تنميتها لدى طلابه أثناء تدريس المادة الدراسية المتضمنة القيم البيئية، وإتاحة الفرص أمام الطلاب للمناقشة ومساعدتهم على الاقتراح والتقييم وأن يبرروا الأسئلة المتعلقة بالقضايا البيئية، وتحفيزهم على الإطلاع من مصادر متنوعة، أي أن يتحدوا سلطة الكتاب المدرسي.

وعلى المعلم أن يجعل غرفة الدراسة غرفة شمولية حيث يتم تغيير النموذج الرأسي في نقل المعرفة وإبداله بنموذج أفقي في التعلم، بحيث يصبح المعلم مشرفا على تبسيط الطريقة التي تعمل على ما يلي:

  1. تعزيز مفهوم الذات لدى الطلاب إضافة إلى تعزيز المسئولية الفردية
  2. تشجيع التعلم الفريقي التعاوني وقبول الآخرين في الفريق
  3. تنمية الخيال والحدس إضافة إلى الاستدلال والتحليل
  4. مساعدة الطلاب على استكشاف ذاتهم وقيمهم ومناظيرهم وافتراضاتهم من خلال الآخرين
  5. حث الطلاب على تقدير العلاقات المترابطة والمتداخلة في الإنسان والعالم
  6. مساعدة الطلاب على حل المشكلات البيئية واتخاذ القرارات المناسبة الفردية والجماعية

ويرى كل من مايتون Mayton (1993) وبروكBruce (1994) أهمية مخاطبة ومناقشة المعلم للطلاب حول القضايا البيئية، وعليه أن يحدد معايير واضحة للسلوك المرغوب فيه، وأن يوضح لهم كيفية التصرف مع بعضهم البعض في سياق تعاوني وتشجيعهم على الاهتمام بالجوانب البيئية التي تساعدهم في تكوين قيم بيئية للمحافظة على البيئة.

وعلى ذلك فأننا إذا أردنا تكوين وتنمية قيم بيئية مرغوب فيها لدى الطلاب فأنه من الضروري تدريب الطالب المعلم والمعلمين على كيفية توضيح القيم البيئية من خلال أساليب تدريسية بعيدة عن التلقين ، واهتمامهم بالبيئة وتدريسها كجزء من مقرر التاريخ لتحقيق سلوك مرغوب فيه نحو البيئة.

وبناء على ما سبق يمكن تحديد دور المعلم في تنمية القيم البيئية وذلك فيما يلي:

  1. يكون قدوة حتى يحتذي به طلابه
  2. يساعد طلابه على توضيح قيمهم
  3. يكون موجهاً ومرشداً لطلابه وتصحيح سلوكهم إلى الأفضل
  4. يقدم المعرفة البيئية لطلابه لمساعدتهم فـي تكوين القيم البيئيـة المرغوب فيها مـن خلال أنشطة توضيح القيم البيئية
  5. طلابه على استكشاف قيمهم من خلال الآخرين
  6. يشجع طلابه على التعاون فيما بينهم في حل المشكلات البيئية واتخاذ القرارات الفردية والجماعية
  7. يدرب طلابه على خطوات اتخاذ القرارات تجاه القضايا والمشكلات البيئية
  8. يترك الحرية لطلابه في اتخاذ القرارات
  9. يشجع طلابه على الاهتمام بالجوانب البيئية التي تساعدهم في تكوين قيم مرغوب فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كلامي