السبت، يونيو 13، 2009

كفانا احتفال يوليو
دكتور/ عماد رمضان سليمان
سياسي أكون أو غير سياسي ليس من المهم أن اكتب الاسطر التالية وأكون سياسياً ولكن شهادة حق للتاريخ وللمجتمع المصري بأكمله وللأجيال القادمة. يجب أن يعرف كل فرد من أفراد الشعب المصري رجال وشيوخ..... أطفال ونساء........ حقيقة ما يعرف بثورة 23 يوليو، لقد كان صبيحة يوم 23 يوليو من عام 1952م فجر يوم جديد على مصر المحروسة الذي انتزع منها هذا اللقب الجميل المغلف بالولاء والانتماء والتقدير والحب.. .....كلمة تحوي معاني كثيرة جميلة "المحروسة" مثلما انتزعت القاب الباشوات والباكوات ولكن هيهات فلقد انتزعت تلك الالقاب لكي تنتقل إلى أصحاب فجر 23 يوليو .
أعتقد عندما يقوم العمال بهدم عمارة فارعة يتطلب هدمها وقت طويل وهذا ما حدث لمصرنا العزيزة.. فلقد بدأ انهيارها منذ فجر ذلك اليوم الذي يحتفل به حتى وقتنا هذا إلا وهو 23 يوليو.. فكيف يحتفل به؟
بعد هذا اليوم تحولت أمور كثيرة في مصر ولكن نحن بصدد أن نوضح لكافة الناس من الشعب المصري وغيره حقيقة ما قبل 23 يوليو 1952م وما بعد هذا اليوم في ضوء الحكم الملكي السابق.
إذا كان الملك فاروق سئ في بعض الأمور إلا أنه كان مصرياً وطنياً يحب مصريته ويحب شعبه كارهاً الوجود الانجليزي فان رجال 23 يوليو 1952 أرادوا محو تاريخ الأسرة العلوية ومحو تاريخ هذا الرجل الملك فاروق رغم أنه جزء من تاريخ مصر، فمن يشاهد الأفلام السينيمائية المصرية القديمة يتأكد من محاولات محو سيرة هذا الملك فكانوا يمحون صورتة في الافلام بألوان سوداء........ مثلما فعلت الثورة الفرنسية عندما تعمدت تحويل الصبي "لويس السابع عشر الذي قدر له ان يصبح ولياً للعهد بعد وفاة شقيقه الاكبر في 4 يونيو 1789م قبل اربعين يوماً من اندلاع الثورة الفرنسية إلى لامتسرول أي الثائر عندما سلمت جبهة " الكونفنسيون "La Convention" لويس السابع عشر لاسكافي يدعى سيمون Simon الذي كان عنده في السجن مشغل للاحذية، وقد علمه أن يكون ثائراً لكي يفشل أن يكون ملكاً يوماً من الايام.
فمصر تاريخها مؤرخ ويؤرخ على مر العصور إذا كان الحاكم عادلاً كان أم ظالماً.. ولكن هؤلاء العسكر أرادوا حذف جزء من تاريخ مصر حتى لا يتذكر المصريون فاروق الأول نحن لا نحكم على فاروق من خلال تلك الأسطر ولكن نستطيع أن نقول أنه لم يكن هناك اسلحة فاسدة فالوثائق أثبتت بعدم صحة وجود أسلحة فاسدة في حرب 1948م.
لقد قلب رجال 23 يوليو الحقائق فجعلوا فاروق خائناً وليس وطنياً وهو الذي حاول أن يدافع عن أرض عربية مهما كانت الظروف، أليس من الافضل أن يحاول الدفاع ضد الصهاينة بدلاً من أن يكون مجرد مشاهداً على اغتصاب فلسطين، وأزعم بأن معظم الحكام العرب كانوا حينذاك مجرد متفرجين.
حتى عام 1948م يكفي فاروق شرف المحاولة لردع ودرء اليهود الذين ساعدتهم كل من انجلترا والولايات المتحدة الامريكية في ذلك الوقت وساعدوهم على إقامة الدولة المزعومة باسرائيل.. فما رأيك في 5 يونيو 1967م؟
فاروق ليس خاطري ولا أدافع عنه لكن من الظلم أن نصمت ونغفل الحقيقة، فمثلاً أراد فاروق أن يستحدث الجيش المصري على يد الالمان بعد حرب 1948م، بل نذهب إلى أبعد من ذلك عند تنازله عن العرش في 26 يوليو 1952م لابنه أحمد فؤاد الثاني خشية سفك الدماء بين المصريين فآثر التنازل عن المقاومة.
وعند اعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953 كان محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر الذي لم يستمر طويلاً، فعندما طلب عودة العسكر إلى ثكناتهم لم يعجب المجلس الذي قرر تنحيته فى نوفمبر 1954 ووضعه تحت الإقامة الجبرية بقصربالمرج شرق القاهرة كانت السيدة زينب الوكيل حرم الزعيم مصطفى النحاس أعدته لنفسها قبل ان تصادره محكمة الثورة، وكانت الحراسة مشددة على المكان، وكانت الزيارة ممنوعة حتى على إخوته، ومنذ ذلك اليوم الذي حددت إقامته فيه، ظل في هذا المنزل بعيداً عن الحياة السياسية، حتى أفرج عنه الرئيس السادات عام 1971، ثم اعيدت له حريته الى ان توفى فى عام 1984 بالقاهرة، والسؤال لماذا حدث ذلك لنجيب؟
ومن المضحك أن هذا ينطبق على أفراد أسرة محمد علي بصفة عامة والخديوي إسماعيل بصفة خاصة الذي اصبح عاراً عليه عندما افتتح قناة السويس بسبب احتفالات الافتتاح وانفاقه عليها أموالاً طائلة وفي الحقيقة فقد انفقت في معظمها على تعبيد طريق من القاهرة إلى الاهرامات وبناء قصر على بحيرة التمساح للملوك والأمراء الضيوف ودار الاوبرا وغير ذلك من أعمال إسماعيل فقناة السويس عالمية تتطلب أكثر من ذلك، ورغم هذا دعنا نسلم بأن هذه الاحتفالات سببت أزمة مالية في مصر، فالكتب المدرسية لا تنوه من قريب أو بعيد عن عظمة وقيمة انتهاء هذا العمل الجليل لمصر بل وللعالم أجمع وهذا المشروع من أهم مصادر الدخل القومي لمصرالآن، ومن الواضح تسييس الكتب المدرسية وللأسف مازالت كما هي دون تصويب الأخطاء التاريخية والتي أورخت لأجل الحاكم فجعلت افتتاح قناة السويس من كبريات مساوئ إسماعيل وتناست بأن الشعب المصري قد عاش في رفاهية مدة حكمه.
فقيل الكثير عن احتفالات افتتاح تلك القناة العالمية فماذا يحدث الآن عندما أقام السيد فاروق حسني وزير الثقافة حفل عند سفح الأهرامات بمناسبة الألفية الثالثة وأحياه مطرب أجنبي مغمور وأنفق السيد الوزير ملايين الدولارات على هذا الحفل في حين أن غالبية الشعب المصري يعاني من مشكلات جسيمة نحن لسنا بصدد ذكرها ولكن نختصرها في مشكلة الجوع والفقر.
كما قيل لم تكن هناك مجانية تعليم ما قبل 1952م.. مجانية التعليم نكتة حلوة أطلقها رجال 23 يوليو 1952م فكيف هم الذين جعلوا التعليم بالمجان في حين أن هؤلاء العسكر كانوا من عامة الشعب وعلى رأسهم جمال عبد الناصر من المؤكد أنهم قد تعلموا بالمجان وإلا فهم أقطاعيون.
ولا نذهب بعيداً عن النكات المضحكة الباكية عن واقع ما حدث من رجال 23 يوليو 1952م فعل سبيل الميثل لاالحصر ففي الداخل كان تأميم المنازل والمصانع والملكية والأراضي الزراعية التي تم تفتيتها لأن حال الفلاح ازداد سوءاً عن ذي قبل واستيلاء هؤلاء على العديد من المنازل التي طرد منها أصحابها فكان وليت ماكان فكراً عقيماً جامداً متحجراً، فكان العالم الغربي يمضي نحو الأمام والتقدم وازدهار شعوبه، وكنا نحن نتخلف ونعمل على الحكم الأوحد والحزب الأوحد بل محو كلمة الأحزاب.. رغم أنه قيل بأن من الأهداف التي يجب تحقيقها اقامة حياة ديمقراطية سليمة، فقد زرع الخوف والرهبة من الحاكم بل من كل ما هو له سلطة حتى أصبح هناك سورأ عالياً بين غالبية المصريين والسلطة.
أما خارجياً فنأخذ بعض الأمثلة من بعض القرارات غير المدروسة، لقد قادونا لحروب عديدة ليس لنا فيها ناقة ولا جمل مثلما أقحمنا أنفسنا في حرب اليمن من عام 1962 إلى عام 1970وذلك لأن عبد الناصر كان يتطلع إلى تغيير النظام اليمني من النظام الملكي وتحويله إلى نظام جمهوري، وكانت فرصة سانحة للعدو الإسرائيلي لأنها شغلت مصر عن خططها العسكرية وتحويل انتباه الجيش المصري إلى نقطة أخرى بعيدة عن سيناء، ويشير هنا "حسنين هيكل" بأن إسرائيل قامت بإعطاء شحنات من الأسلحة كما أقامت اتصالات مع المئات من المرتزقة الأوروبيين الذين يقاتلون بجانب الطرف الملكي اليمني، كما قام العدو الإسرائيلي بإنشاء جسر جوي سري بين جيبوتي وشمال اليمن، كما أعطت هذه الحرب والتدخل المصري الفرصة للإسرائيليين لمراقبة التكتيكات الحربية المصرية وقدرتها على التكيف مع ظروف المعارك، هذا وتدعيم عبد الناصر لثورات بعض الدول الأفريقية وحروبها ولا نخوض تفاصيل في هذا الصدد ، ولكن مما لا شك فيه بأن ذلك قد ساعد على تأخر مصر بانشغالها في حروب وثورات لم تكن طرفاً فيها............
ترى هل هذا معقول؟ وما الذي نتج عنه؟
ولعل هناك تشابه بين مصر والهند فمثلما قامت في مصر أقدم الحضارات وكذا تمتعها بموقع استرتيجي مهم جعل الاستعمار الحديث يلهث وراءها إلى أن نجح الاستعمار البريطاني في احتلالها عام 1882م إلى أن استقلت عام 1954م بعد توقيع اتفاقية الجلاء، والتي تم بموجبها جلاء القوات البريطانية عن منطقة قناة السويس ومصر، وعليه فقد عرفت الهند قيام بعض من الحضارات الأولى التي شهدها العالم القديم، كما كانت مركزاً لعديد من الطرق التجارية عبر التاريخ، وأصبحت مطمعاً للاستعمار البريطاني أيضاً فأمست جزءاً من أراضي التاج البريطاني، إلى أن نالت استقلالها عام 1947م، والآن هل تتشابه الاوضاع الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية بين البلدين كما تشابهت أحوالهم التاريخية والسياسية السابقة، فعرفت الهند نمواً كبيراً في ميدان الاقتصاد في العشرين سنة السابقة، وأصبحت تلعب دوراً كبيراً في المنطقة الآسيوية والعالم، والسؤال أين نحن من هذا التقدم الذي لم نصل اليه حتى وقتنا هذا؟ ماذا فعل رجال 23 يوليو في سبيل رقي البلاد؟
والسؤال الهام إلى متى نحتفل بهذا اليوم الذي حول مصر وأخرها عن مصاف الدول المتقدمة والتي تسبقنا الآن بمئات السنين.. هذا اليوم الذي فرض علينا ولازال فليست مسئولية شعب يتحمل نتائج سوء حكم هؤلاء، فكفى ماكان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق