السبت، يناير 16، 2010

التاريخ والمكان (علاقة تبادلية بين الإنسان والبيئة)
إعداد: دكتور/ عماد رمضان سليمان
عندما هبط آدم وحواء من السماء إلى الأرض، شهدت الأرض مولد التاريخ، لذا فأن التاريخ هو الذي يحدد العلاقة المتبادلة بين الإنسان والأرض، تلك العلاقة التي تقوم على التأثير والتأثر، وتفاعل بني البشر مع المكان وتأثير الأخير بالإنسان. وكتابة التاريخ تتطلب الحرية ففكر الإنسان يبنى عليها حتى تكون الكلمة صادقة حقيقية، فالتاريخ يُعد بمثابتة الآباء والأجداد فيجب أن نكون أمناء من أجلهم، فمن الحقائق الثابتة العلاقة الوطيدة بل والحميمة بين التاريخ والمكان كالروح والجسد، فلولا المكان ما كان التاريخ، وكذا لا مكان بدون تاريخ، فالعلاقة الإنسانية المكانية علاقة حتمية وعملية تبادلية – علاقة تأثير وتأثر، فتفاعل الإنسان مع البيئة هي التي تُمكن المؤرخ من كتابة التاريخ وتدوين تلك العلاقة المتبادلة متى حيا الإنسان. إن عوامل البيئة لا تؤثر في الفرد وحاضره فقط بل تتراكم تأثيراتها عبر ميراث الأجيال، فالإنسان ميراثه الحضاري والروحي والثقافي لا يخضع للحاضر ومؤثراته فحسب بل هو أيضاً نتيجة الماضي، إن سلوك شعب ما وعقليته وثقافته وفكره هو نتيجة أساسية لمؤثرات ميراث آلاف السنين. إن دور المكان في تحديد الثقافة البيئية لأي مجتمع أمر واضح ، مثل الفروق الحياتية والثقافية والسلوكية والتربوية بين السكان الذين ينتمون لبيئات مختلفة صحراوية كانت أو ساحلية أو جبلية أو صناعية أو زراعية، أو الفروق بين سكان القرى والمدن، بل بين الأنماط المختلفة في المكان الواحد، وعلى هذا فإن المكان يلعب دوراً حاسماً في رسم حدود الغالبية العظمى من الأوطان وفصلها عن بعضها البعض، وأن المكان لا يفصل بلد عن آخر بل يمكنه أن يفصل مجموعات من البلدان، وعليه ليس المكان فقط هو الذي يحدد الهوية البيئية أو الحدودية بين دولة وأخرى بل يمتد المكان لنطاق أشمل من ذلك وهو العلاقة التبادلية بين الإنسان والمكان، بمعنى عملية التأثير والتأثر بين الإنسان وبيئته. علاقة التاريخ بالبيئة: التاريخ هو أحداث وقعت منذ بداية الكون وعلاقات الإنسان بالكون وبيئته المحيطة به وتفاعله معها وتأثره وتأثيره بها ، فالصلة وثيقة بين الإنسان والبيئة منذ بداية الخلق فكثير من المشكلات البيئية قد سببها الإنسان مـن الحروب وما تخلفه ، وإهدار للموارد الطبيعية بسوء استخدام الإنسان لها وعدم استغلالها الاستغلال الأمثل. ويؤكد "قاسم" عـلى أننا لا نسـتطيع أن نتصور وجود الفعل التاريخي في فراغ بعيداً عن المكان والبيئة ، فالتفاعل بين الناس والبيئة في إطار الظرف الزماني هو الذي ينتج لنا الظاهرة التاريخية في أي عصر من العصور، والذين يعملون بعلم التاريخ يلجئون إلى البحث والتنقيب عن المصادر الأصلية، بقصد الدراسة والنقد والمقارنة والتحليل والاستنتاج، فلذلك تعتبر البيئـة معمل دراسـة التاريخ، فيشير "بريان" Brian على أهمية ربط منهج التاريخ بالبحث العلمي التاريخي لكي نتمكن من حل المشكلات. فالتاريخ هو دراسة الإنسان في المجتمع ماضيه وحاضره ومستقبله وهو الذي يحدد الفروق بين الجماعات ووسائل تكيفها للبيئة الطبيعية وتكيف هذه البيئة لحاجاتها ، وأساليب مواجهة الإنسان لمشكلات البيئة وأنماط علاقاته بغيره ثم الحضارة والثقافة اللتان ابتكراهما الإنسان. كما أن التاريخ يوضح الجانب الإنساني في الإنسان وتبصره بالعلاقات التي يجب أن تسود في المجتمعات وتنظيمها والاتجاهات التي يجب أن تأخذها هذه المجتمعات في المستقبل وتنمية الجانب الروحي والإنساني في الناس وتزيد قدرتهم على التعامل مع الآخرين في جماعاتهم القريبة والبعيدة، والصلة بين النمو الإنساني والاجتماعي وبين التقدم في المادة والثروة هي صلة واضحة فالثروة والقوة في حاجة دائماً لما يحسن توجيهها ويقوم استخدامها. ويمـكن التعرف على خصـائص الطبيـعة البشرية من خلال أفعال البشر أنفسهم، وهذه الأفعال كامنة في طيات أحداث التاريخ الإنساني، فما أكثر البلاد في عصرنا التي لا تنقصها الثروة ومع ذلك فهي فقيرة ومتخلفة بسبب انحراف مواطنيها عن اتجاه القيم والأخلاق واحترام القوانين. والظاهرة التاريخية على ثلاث دعائم هي الزمن والمكان والإنسان: أولاً- البعد الزمني أو الزماني: الزمن هو قاعدة العملية التاريخية، وهو الذي يجعل للحادثة التاريخية صفتها التاريخية،والزمن الـذي نعنيه هـو الزمن الإنساني، أي عمر الجنس البشري فوق كوكب الأرض ، فلا توجد وقائع تاريخية أو حوادث تاريخية خارج نطاق الزمن. وتفسير الأحـداث التاريخية يجب أن يكون بناء على العلاقة بين الأبعاد الثلاثة الزمان والمكان و الإنسان وتأثير كل من الزمان والمكان في سلوك الإنسان وعلاقته مع الآخرين وتعامله مع الطبيعة. والأحداث الهائلة عن أخبار الماضي لها أثر كبير في مسيرة التاريخ سلباً أو إيجاباً سواءتلك التي وقعت في الماضي البعيد واندثرت آثارها، أو تلك التي لا زالت بصماتها واضحة في الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع في الوقت الحاضر. فالتاريخ يحلل البعد الزماني للموقف الحاضر ويبين التراكمات الإنسانية والسياسية التي أدت إليه وعقدته وخلقت فيه مشكلة. ثانياً- البعد المكاني أو البيئي: تُعد البيئة هي الركن الثاني من أركان الظاهرة التاريخية، فالبيئة هي مسرح العملية التاريخية، وبقدر ما تقدمه البيئة من معطيات وما تطرحه من تحديات أمام الإنسان يتحدد شكل الظاهرة التاريخية، ودور الإنسان وتفاعله معها. ومنذ البدايات الأولى لعلم التاريخ أدرك المشتغلون به أهمية البيئة كعامل أساسي في تشكيل الفعل التاريخي فهيرودوت مثلاً حين يتحدث عن مصر يبدأ بوصف البيئة الطبيعية إلى الحديث عن شكل الأرض وتربتها ومساحتها، ثم يتطرق إلى الحديث عن شكل الحضارة المصرية فيتحدث عن الزراعة والنيل الذي أدرك أنه العامل الأول في تشكيل البيئة المصرية. وعلم الجغرافيا يحلل البعد المكاني للموقف الاجتماعي فقلما توجد مشكلة اجتماعية إلا وللبيئة أثر فيها حتى الأحداث التاريخية الكبرى كانت أثراً لتغيرات حدثت في البيئة كهجرة المصريين القدامى من الصحراء الغربية وانهزام نابليون بونابرت في روسيا، وهزيمة هتلر في نفس المكان، جميعها أحداث تاريخية وإنسانية ذات أثر عميق وكانت نتيجة أحوال جغرافية في البيئة، ويبرز دور المكان كعامل مهم في تشكيل الفعل التاريخي. والبيئة كمسرح للعملية التاريخية لا تحتل مكانه كبيرة في التراث العربي قبل الإسلام، ومع ظهور الإسلام جاء القرآن بمفهوم جديد تماماً لدور البيئة أو المكان في قصة الإنسان في هذا العالم، فهي الإطار أو المحيط الذي يحيا فيه الإنسان ، بكل ما يلزم من مقومات حياته، ويمارس فيه علاقاته مع إخوانه من بني البشر. وذلك أن آيات القرآن الكريم جاءت تحمل مفهوماً للبيئة يقوم في أساسه على أمرين : الأمر الأول أن الله قد خلق مظاهر الطبيعة التي يعيش الإنسان في رحابها لكي تكون وسيلة يتوسل بها الإنسان لمعرفة خـالقه ومظاهر قدرته وآيات إبداعه ويحفل القرآن بالكثير من الآيات التي تدل على هذا ففي قوله تعالى " ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ، إن في ذلك لآيات للعالمين " وفي مواضع أخرى كثيرة يشير القرآن إلى مظاهر الطبيعة والكون باعتبارها براهين على قدرة الله الذي خلقها ودليلاً على حكمته. أما الأمر الثاني أن القرآن يشير إلى أن للطبيعة دوراً في صياغة التاريخ على أساس أن الله قد خلقها وسخرها لخدمة الإنسان ومساعدته في إعمار الأرض وتحقيق الغاية من حمل الإنسان للأمانة التي عرضها الله علـى السماوات والأرض والجبال فأشفق فيـها، وحملـها الإنسان، وعليه فالبيئة تكون للإنسان منزله الذي يعيش فيه والذي فيه مستقره ومقامه. ويورد القرآن الكريم ما يؤكد ذلك في قوله تعالى: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين". وقوله تعالى : "وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود". يتضح مما سبق بأن العلاقة وثيقة بين التاريخ والمكان وتفاعل الإنسان بالبيئة وتأثيره وتأثره بها ودوره في الحفاظ على البيئة وعدم إهدار مواردها الطبيعية حتى لا تفنى تلك الموارد وأن علاقته بالمكان أي الجغرافيا تكشف عن مدى أهمية البيئة كمسرح للعملية التاريخية، وإذا كانت الجغرافيا تعني دراسة علاقات الإنسان ببيئته الطبيعية، فإن كل الجغرافيا هي إذن جغرافيا تاريخية بمعنى أن التاريخ هو منجم للجغرافيا ثري لا ينضب، منه تستمد خامة ثمينة لا غنى عنها وهو معمل الجغرافيا يقدم تجارب الماضي، والواقع أنه لا جغرافيا بلا تاريخ. ثالثاً- البعد الإنساني : والدعامة الثالثة للظاهرة التاريخية هو الإنسان منفذ العملية التاريخية ، فالتاريخ يؤكد على أن تجربة الإنسان تجربة فردية سواء على مستوى الفرد أم على مستوى الجماعة، وأن التاريخ يقدم لنا أسباب الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ونتائجها ، ويوضح أن لا شئ صدفة. فمعرفة الماضي من خلال الدراسة التاريخية تساعده على تفهم الطبيعة الإنسانية من خلال دراسة أفعال الإنسان وتصرفاته ومن ثم فإن معالجتنا لأمور الحاضر ومشكلاته ستكون معالجة أفضل، فالإنسان الذي يتمتع بمعرفة دقيقة لما حدث في الماضي يقترب أكثر من الفهم الكامل للطبيعة البشرية، وبالتالي فهو قادر على أن يتصرف بالحكمة والثقة النابعين من معرفة الحقائق، والتاريخ يساعدنا في البحث عن جذورنا وهويتنا ومعرفة أحداث الماضي والاستفادة منها من خلال معرفتنا بطبيعة الإنسان وعلاقاته في المجتمع الذي يعيش فيه. ومن هنا ننظر للتاريخ بأبعاده الثلاثة البعد الزماني والمكاني والإنساني ، فهذه النظرة توضح طبيعة التاريخ، حيث تفاعل الإنسان على مـر العصور والأزمنة المختلفة بالبيئة التـي وهبها الله للبشرية واستغلالها وهنا تتضح أهمية التربية البيئة لوعي الإنسان صغيراً كان أم كبيراً للحفاظ على بيئته وإكساب القيم والاتجاهات الإيجابية نحو البيئة . كان هيرودوت جغرافياً قبل أن يكون مؤرخاً حين قال إن مصر هبة النيل ومن قبله بكثير كان قدماء المصريين يقولون إن الدلتا هي هبة النيل وهدية النهر، وعندما حكم محمد علي مصر عمل على إخراجها من العصور الوسطى إلى الحضارة الحديثة، بأساليبها في الحكم والإدارة والتشييد والبناء والحرب والدفاع والأخذ بأسباب العلم الحديث. ويقول حمدان بأن البيئة الفيضية كواحة صحراوية، معرضة لأطماع وغارات الرعاة البدو باستمرار، وهذا فـي حد ذاته يستدعي تنظيماً سياسياً قوياً متماسكاً في الداخل ، ولقد رأينا كم هو حافل سجل الغزوات والغارات الرعوية على مصر طوال التاريخ، وكيف كان بقاؤها يتوقف على الدفاع الخارجي بقدر ما كان يتوقف على الضبط النهري في الداخل ، ولذا عمل محمد علي على وقف الرعي الجائر من البدو واستقرارهم كما حولهم إلى زراع ثابتين. ولمـا كان نهر النيل يمثل شريان الحياة في مصر وكذلك ضياع كثير من مياه النهر عند مصبه في البحر المتوسط ، فنجد محمد علي عمل على الاستفادة من هذه المياه الضائعة ببناء السدود والقناطر والترع وأهمها القنـاطر الخيرية ، التي بدأ بنائها في عام 1843، فكانت بذلك أول قناطر هندسية على النيل ومن أولى قناطر الري الحديث في العالم كله، وبذلك تحول الري من ري الحياض إلى الري الدائم ، مما ساعد على زيادة الرقعة الزراعية وإثراء الإنتاج الزراعي. وعندما تولى محمد علي مقاليد الأمور في مصر دخلت عهداً جديداً وشهدت البلاد برامج تنموية هائلة خاصة في المجال الزراعي حيث ساعد بناء القناطر الخيرية في تحويل جزء من أراضي الدلتا إلى نظام الري المستديم بالإضافة إلى حفر ثلاث وثلاثين ترعة وبخاصة ترعة المحمودية، وأقام خمسة عشر جسراً ، وثلاثة وعشرين سداً فوق النيل، فاتسعت الرقعة الزراعية، ويضاف إلى ذلك عمليات الترميم وإصلاحات كثيرة والذي ساعد محمد علي في تحقيق ذلك هو البيئة الطبيعية وخاصة" المجتمع المائي" الذي تعتبر مصر أوضح وأقوى مثل له على مر عصور التاريخ. وعليه يبرز دور الإنسان في استغلال الموارد البيئية الطبيعية استغلالاً إيجابياً كما فعل محمد علي وكان من نتيجته التنمية الزراعية التي حققها عن طريق الاستفادة الممكنة من مياه نهر النيل من إقامة القناطر و السدود والترع وغيرها. والحقبة التاريخية المتمثلة في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي وبالتحديد منذ اعتلاء محمد علي باشا حكم مصر عام 1805م توضح مدى تأثر محمد علي بالبيئة الأوروبية التي نشأ بها، ورغم أن الدول الأوروبية آنذاك كانت شغلها الشاغل هو الصناعة نتيجة الثورة الصناعية التي صاحبها إنشاء العديد والعديد من المصانع ونرى أنها ساعدت كثيراً في التقدم الصناعي والتكنولوجي فيما بعد، إلا أن هذه الدول قد أغفلت الجانب البيئي مما أثر على الحياة الإنسانية بصفة عامة والصحية بصفة خاصة. نرى محمد علي باشا باهتماماته الكبيرة في بناء مصر الحديثة ونظرته الثاقبة في أهمية تطوير البلاد في جميع المجالات الصناعية والزراعية والتجارية وغيرها كما سبق سالفاً، إلا أنه قد سبق هذه الدول الصناعية بل وسبق عصره أيضاً في مراعاة الأبعاد البيئية التي سارت مع النهضة الحديثة في خطين متوازيين، أي أنه تمكن من تحقيق المعادلة الصعبة التي تحاول الدول المتقدمة قبل الدول النامية في تحقيقها الآن في القرن الحادي والعشرون وهي التوازن البيئي الذي حققه محمد علي باشا من خلال أفكاره التقدمية المستقبلية والتي سبقت عصره كما سبق سالفاً. محمد علي بجانب مراعاته للأبعاد البيئية في كل الميادين فأنه أيضاً أهتم بالجوانب الجمالية فـي البيئة المصرية فكان شغوفاً ومولعاً بالجمال البيئي ، ويقول الرحالـة الفرنسي "أدمون بوتي" من قصر الجوهرة ، يمكننا الاستمتاع بمنظر جميل يمتد فوق المدينة ، ويصل إلى ما وراء النيل والأهرامات ، ومن ناحية جامع محمد علي نرى عبر حديقة رائعة ، المآذن الممشوقة التي تدعو الروح إلى التحليق في السماء. ولاهتمام محمد علي بالنواحي الجمالية فقد قام ببعض الأعمال التي ساعدت على تجميل البيئة المصرية ففي عام 1829م أمر بإزالة الآكام الملاصقة للنيل شمال قصـر العيني وكانت على مساحة تسعة أفدنه، وغرس محله أشجار الزيتون ، وحول مناطق القمامة بعد إزالتها إلى متنزهات، وفي عام 1831م ، أصدر قرار بتعمير أراضي الخرائب، وفي عام 1835م أمر محمد علي بدهان الحوانيت وواجهـات المنازل في القاهرة باللون الأبيض، وعام 1843م أصدر أمراً بإنشاء مجلـس للإشراف علـى تجميل القاهرة ، وتعديل شوارعها وذلك لتحديث المدينة، وعام 1846م قام بتوسيع بعض الشوارع وغرس الأشجار، وفي عام 1847م عمل على تمهيد طريق متسع بين وسط القاهرة وشبرا وغرست علـى جانبيه الأشـجار فكان من أجمل متنزهات القاهرة ، وفي نفس العام تم تسمية الشوارع وترقيم المنازل، هذا وقد أنشـأ محمد علـي بستان الأزبكية وأزال التلال التي كانت متراكمة خارج منطقة باب الحديد وغرب القاهرة. هذا وقد فطن محمد علي بأهمية النظافة على أساس أنها المؤشر الحقيقي لحضارة وتقدم الشعوب، فهي التي تعكس الوجه الحضاري للمجتمع ومدى تقدمه، ونحن نعلم أن التقدم والتطور يحتاج إلى التربية والتعليم، إذاً النظافة هي سلوك مكتسب نتعلمه نتيجة للتربية التي ننشأ ونتربى عليها وهذا ما اهتم به محمد علي باشا فقام بالتوجيه والإرشاد في هذا الصدد منها النظافة العامة في شوارع القاهرة وإنارة الشوارع وتوسعتها ولذلك قام ببعض الإجراءات في هذا المجال منها مد شبكة جيدة لمياه الشرب وإضاءة شوارع القاهرة بالأنوار الغازية والكشف عن منازل القاهرة لسلامة الناس، وفي عام 1832م أصدر محمد علي أوامره بضرورة كنس ورش الشوارع وتنظيف الأسواق وإنارة شوارع المدينة ، وإيقاد القناديل على أبواب المنازل ، وأن يخصص لكل ثلاثة حوانيت قنديل. وبما أن النظافة نتعلمها ونكتسبها من التربية فهي على المستوى العام إذا تم تطبيقها فإنها تبين مدى جمال وحضارة المظهر الطبيعي والبيئي للبلد، ومن هنا يأتي دور التربية البيئية في تنمية سلوك النظافة، فالنظافة تعتبر سلوك من السلوكيات التي يجب أن يتم التأكيد عليها للوصول إلى الرقي، وهذا السلوك يجب أن نزرعه في عقل المجتمع بكافة أعماره وفئاته، فعندما يكون المجتمع نظيف يعني أننا نعيش في بيئة نظيفة، وأننا نهتم بالنظافة، ولكن يجب أن نسعى إلى تعزيز هذا الاهتمام، ومن هنا يبرز دور المؤسسات المختصة في هذا الموضوع للتركيز على أهمية التربية البيئية في تطوير السلوكيات البيئية وضمنها النظافة والتي قد نعتبرها مجرد سلوك بسيط ولكنه بالأساس هو سلوك إذا ما اتبعه كل فرد من أفراد المجتمع بصفة شخصية أو عامة فإنه يساهم في تحقيق النظافة وهذا ما اهتم به محمد علي منذ قرنين من الزمن فأنه طبق التربية البيئية بمفهومها دون تداول لفظها، لذا تلعب التربية البيئية دور كبير في هذه السلوكيات البسيطة والتي تساهم في جعل النظافة عادة وسلوكاً يومياً، والسلوك اليومي هو عادة متبعة يتم تطبيقها في البيت والشارع، والحدائق والمتنزهات والأماكن العامة وفي جميع مرافق الحياة. وأن النظافة ليست مجرد مصطلح يتم حصره في عدة كلمات وإنما هي مفهوم كبير يندرج منه سلوكيات لها تأثير عظيم على المجتمع والبيئة، وإذا تم إكساب هذه السلوكيات بشكل جدي تظهر مدى رقي المجتمع، أما إذا أهملت فإنه ينتج عنها مشاكل بيئية وصحية كبيرة وتظهر مدى عدم قابلية المجتمع للتطور والوصول للحضارة، ونحن الآن في القرن الحادي والعشرون يجب علينا أن نعمل من أجل المستقبل من خلال تنمية قيم بيئية توجه هذه السلوكيات وأن نستفيد بالوسائل الحديثة والتكنولوجية المتطورة والتي سبقتنا إليها في الوقت الراهن العديد من الدول، وبالإضافة لذلك يجب إصدار تشريعات صارمة تجاه البيئة لحمايتها من أي تلوث مثلما فعل ذلك محمد علي باشا في القرن التاسع عشر الميلادي حينما أصر قوانين بهذا الصدد لحماية البيئة من التلوث وحماية الأهالي من الأمراض. وبناء على ما سبق نجد أن هناك علاقة وثيقة بين التاريخ والمكان من خلال تفاعل الإنسان مع بيئته واستخدامه لمواردها الطبيعية وتطويرها على مر العصور وما ينتج من تفاعل الإنسان بالسلب والإيجاب مع البيئة أي علاقة تبادلية بين الإنسان والبيئة، ويمكن القول بان دراسة التاريخ تساهم في غرز القيم البيئية ومن ثم حل المشكلات البيئية التي تهدد حياة الإنسان على الأرض وأنشطته الإنمائية عن طريق العلاقات التي تربط الإنسان ببيئته ، وتساعده على التعرف على تلك المشكلات وتلافيها وحلها إذا واجهته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كلامي